
منذ التعديل الوزاري الذي أجرى رئيس الجمهورية يوم 18 من شهر سبتمبر الجاري بدأ بصيص من الأمل يتسلل إلى المهتمين بشأن العدالة في موريتانيا من داخل القطاع وخارجه، وذلك بعد فترة تعد هي الأطول لوزير على رأس هذا القطاع، وهي فترة تميزت ببعض الاختلالات أهمها غياب الحرص على الشفافية في التحويلات، وبروز تحويلات عقابية للقضاة دون المرور بالإجراءات القانونية ذات العلاقة، ودون الاعتماد على تقارير المفتشية التي نالت هي الأخرى نصيبها من التهميش رغم النشاطات العلمية والمهنية الكبيرة لها منذ تعيين مفتش جديد على رأسها، يعد بإجماع القضاة والأسرة القضائية من أكثر القضاة نزاهة وكفاءة.
هذه التحويلات غير الشفافة جعلت أغلب القضاة المشهود لهم بالكفاءة على مستوى النيابة والقضاء الجالس في عطلة مفتوحة وغير معوضة، وتسببت في نزوح عدد من القضاة الأكفاء إلى قطاعات أخرى بعيدة عن مجال العدالة.
كما لم يحرص وزير العدل السابق كثيرا على تعزيز ضمانات استقلال القضاء عندما ضيق المسافة المطلوبة دستوريا بين سلطة القضاء والسلطات الأخرى، وقد تراجعت في ظل حقبته ضمانات استقلال القضاء، ومن تلك المظاهر تعييناته على أسس ضيقة أهمها القرابة والجهوية دون اعتبار للكفاءة والخبرة والتخصص أو الرصيد المهني ولا حتى الدرجة والرتبة، هذه الأمور تضرر منها القطاع كثيرا.
ومع تعيين وزير جديد من فئة الشباب، خريج الجامعات الكندية في مجال الإدارة العمومية، وصاحب تجربة كبيرة داخل البلاد، ويحظى بثقة سياسية، برز الأمل من جديد، ورأى بعض المهتمين توجها جادا للإصلاح. وهي محاولة ربما لتصحيح الاختلالات الموجودة في القطاع.
واعتبرت تصريحات الوزير الجديد على هامش زياراته الميدانية لبعض القطاعات التابعة له مؤشرا على ذلك، حين صرح بأنه ينوي على المدى القريب إطلاق بعض الإصلاحات الجوهرية، وهو أمر زاد جرعة الأمل لدى المنتسبين إلى القطاع والمهتمين بقطاع العدالة في البلد، فهذه الإرادة لا بد أنها نابعة من تعليمات عليا تسعى إلى الرفع من مستوى القضاء والعدالة، بعد أن صار القطاع في أمس الحاجة إلى وزير جديد قادر على السير به قدما، رغم التحسينات الهامة على المستوى المادي للقضاة وكتاب الضبط، وهي تحسينات جاءت بتعليمات عليا بعد سنوات من مطالبا ت الجمعيات القضائية، وتحسب للقائمين على الشأن العام رغم الحاجة إلى التحسينات المعنوية الأخرى المعززة لاستقلال القضاء المتعلقة بمعايير التحويل، وتحسين المعاش، وزيادة سن التقاعد، واعتماد التخصص والتكوين كمعيار للتعيينات، وزيادة المسافة بين السلطة القضائية والسلطات الأخرى، واعتماد نظام جديد للمفتشية يخدم هذا التوجه، مع تسريع تطبيق الوثيقة الوطنية لإصلاح العدالة.