
أحمد محمد المصطفى - ahmedou0086@gmail.com
من أوجه "أزمات" البلد المتعددة (والأزمات الظاهرة والخفية من أكثر الأشياء وفرة في البلاد) أزمة عدم الاستقرار الحكومي، فتعيين الحكومات الجديدة، والتعديلات الجزئية عليها تأتي بمعدل سنوي تقريبا. وهذا جعل العديد من القطاعات الحكومية تعيش في حالة "فراغ" قيادي دائم، فالوزير لا يكاد يفهم قطاعه ويتملى مشاكله وأولوياته حتى تتم إقالته منه أو تحويله إلى قطاع آخر، وإحلال وزير آخر مكانه، سيواجه نفس المصير ولو بعد حين.
إن التغيير المستمر للوزراء، والتبادل الدائم بينهم له تأثير بالغ على القطاعات الحكومية، وعلى الأداء الرسمي بشكل خاص، ويزيد من وقعه وتأثيره محدودية المؤسسية في إداراتنا العمومية، فما زال تأثير الأشخاص فيها بالغا، ودور الشخصية الأولى فيها محوريا، وبإمكان القادم أن يلغي كل ما أنجز سلفه – إن كان أنجز – أو خطط له، وأن يقلب الطاولة رأسا على عقب.
ولا يقتصر عدم الاستقرار على الوزراء، بل يطال أسماء القطاعات الحكومية، جمعا وتفريقا، وتغييرا للأسماء، ولعل أكثر القطاعات الوزارية عرضة لذلك خلال السنوات الأخيرة، قطاع الاقتصاد والتنمية والمالية، وقطاع التعليم الأساسي والثانوي.
وإذا ألقينا نظرة على العالم من حولنا سنجد أن الفريق الحكومي للرئيس المنتخب يكمل معه مأموريته في الغالب، ويجد الوقت والفرصة لتطبيق البرنامج الذي اختير من أجله، وكلف بتنفيذه، وفي حال حصل تغيير على الفريق الحكومي، فسيكون محدودا، ولأسباب مفهومة، أو حتى قاهرة.
وهناك نماذج حول العالم يمضي الوزير فيها عقدا وربما عقدين على نفس الحقيبة، ويشكل ذاكرة متراكمة لها، وينسجم مع فريقه بما يوفر الكثير من الوقت والجهد الضائع مع الفرق المتغيرة.
دعونا نلقي نظرة على الحكومات المتعاقبة منذ استلام الرئيس محمد ولد الغزواني للحكم فاتح أغسطس 2019، سنجد أن كل الوزارات – نعم كل الوزارات – تم تغيير وزرائها مرة، أو مرتين، أو ثلاثا، أو أربعا، وحتى خمسا وستا، باستثناء قطاع الدفاع وحده، تليه الداخلية التي غير وزيرها مرة واحدة، والشؤون الإسلامية التي غير ثلاث مرات.
أما بقية القطاعات، فأمرها عجب، خذ مثلا، وزارة المياه والصرف الصحي، فقد تعاقب عليها خلال السنوات الست الماضية ستة وزراء، هم: "الناها بنت مكناس، وسيدي أحمد ولد محمد، وحسنه ولد بو اخريص، وسيدي محمد الطالب أعمر، وإسماعيل ولد عبد الفتاح، وآمال بنت المولود"، ثم تذكر – رعاك الله – أن عدد الأمناء العامين خلال نفس الفترة كان مساويا لعدد الوزراء أو أكثر بواحد.
وإذا أخذنا قطاع الرقمنة، والذي تم استحداثه في التعديل الحكومي الذي أجري على حكومة الوزير الأول السابق محمد ولد بلال، فسنجد أن خمسة وزراء تعاقبوا عليه خلال الفترة من 31 مارس 2022 إلى أغسطس 2024، وهم عزيز ولد الداهي، والشيخ الكبير ولد مولاي الطاهر، والمختار ولد يدالي، ومحمد عبد الله ولد لولي، وأحمد سالم ولد بده. بل يمكن القول إن هذا القطاع كان عرضة للتغيير في كل تعديل حكومي منذ استحداثه، وأول تعديل ينجو منه هو التعديل الذي أجري مساء أمس.
وليس قطاع الصحة أمثل حالا من سابقيه، فمنذ 2019، تعاقب عليه نذير ولد حامد، وسيدي ولد الزحاف، والمختار ولد داهي، والناها بنت مكناس، وعبد الله ولد وديه، قبل أن يعين عليه أمس محمد محمود ولد اعل محمود.
ومن الأمثلة الصارخة في عدم الاستقرار الحكومي، قطاع التنمية الحيوانية، فمنذ استحداثه مايو 2021، تعاقب عليه المرابط ولد بناهي، ومحمد ولد اسويدات، وإبراهيم فال ولد محمد الأمين (أمضى أسابيع محدودة)، ومحمد ولد عبد الله ولد عثمان، واحميديت ولد الشين، والمختار ولد كاكيه، قبل أن يعين عليه أمس سيدي أحمد ولد محمد.
ودعونا نأخذ الاسم الأخير من المثال السابق، فهو أنموذج لعدم الاستقرار الحكومي، أي سيدي أحمد ولد محمد، فقد منح حقيبة التجارة 2019، وسرعان ما حول عنها إلى المياه، ثم إلى الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي، قبل أن يخرج من التشكلة الحكومية أغسطس 2024، ليعود إليها سبتمبر 2025 مستلما حقيبة التنمية الحيوانية.
وسأختم الأمثلة – حتى لا أطيل، ولعلي أطلت – بقطاعي التعليم الأساسي والثانوي، والاقتصاد والمالية، واللذين أضافا لعدم الاستقرار الحكومي كثرة تغيير الأسماء.
فقد اختار غزواني في أول حكوماته في أغسطس 2019، تقسيم قطاع التعليم الأساسي والثانوي إلى قطاعين، أولهما للتعليم الأساسي وإصلاح التهذيب الوطني، وأسنده لآداما سوكو، والثاني للتعليم الثانوي والتكوين التقني والمهني، وعين عليه محمد ماء العينين ولد أييه.
وفي أغسطس 2020، وبمناسبة إسقاط حكومة الوزير الأول إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا، وتعيين حكومة جديدة بقيادة الوزير الأول السابق محمد ولد بلال أعاد غزواني دمج القطاعين في قطاع واحد، حمل اسم وزارة التهذيب الوطني والتكوين التقني والإصلاح، وعين عليه محمد ماء العينين ولد أييه، وفي 6 سبتمبر 2022، غير اسمها إلى وزارة التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي، وعين عليها آدما بوكار سوكو، وبعد سوكو جاء الوزير إبراهيم فال ولد محمد الأمين، وبعده المختار ولد داهي.
ومع بداية المأمورية الثانية لولد الغزواني، أعاد تغيير اسم القطاع إلى "وزارة التربية وإصلاح النظام التعليمي"، وعين عليها الوزيرة الحالية هدى بنت باباه.
أما قطاع الاقتصاد والمالية، فقد كانا مجتمعين خلال المأمورية الثانية للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وفي حكومته الأولى، فرقهما ولد الغزواني، وأطلق على الأولى وزارة الاقتصاد والصناعة، وعين عليها الشيخ الكبير ولد مولاي الطاهر، وذلك من بداية أغسطس 2019، حتى يناير 2020، حيث أقاله وعين مكانه عزيز ولد الداهي.
وفي أغسطس 2020، غير اسم القطاع إلى وزارة الشؤون الاقتصادية وترقية القطاعات الإنتاجية، وعين عليها الوزير عثمان مامودو كان، وفي يوليو 2023، غير اسمها مجددا إلى وزارة الاقتصاد والتنمية المستدامة، وعين عليها عبد السلام ولد محمد صالح، قادما من وزارة البترول والطاقة والمعادن.
وفي أغسطس 2024، أعاد جمعها مع وزارة المالية، ليتحول اسمها إلى "وزارة الاقتصاد والمالية" وعين عليها سيدي أحمد ولد ابوه، وفي سبتمبر 2025، فرقهما مجددا، وأعاد اسمها لما كانت عليه قبل أكثر من عقد، أي وزارة الاقتصاد والتنمية، وعين عليها الوزير الذي تولاها قبل عقدين من الزمن.
أما وزارة المالية، فتولاها – خلال فترة الفصل – محمد الأمين ولد الذهبي، من 2019 إلى 2022، وإسلم ولد محمد امبادي من 2022 إلى 2024، لتدمج مع الاقتصاد لمدة سنة، ويعاد فصلهما مجددا أمس، ويعين عليها كوديورو موسي انكينور، والذي كان وزيرا منتدبا مكلفا بالميزانية.
إن عدم الاستقرار الحكومي والمؤسساتي لا يقل خطرا ولا تأثيرا عن انعدام الاستقرار الأمني، فكلاهما مؤثر على الإنجاز، وعلى الاستمرار، مربك للأداء، مؤد لتغيير وربما تضارب الأولويات.
وأختم هنا بالقصة التي أوردها الأمين العام السابق للجامعة العربية "البائسة" عمرو موسى (وانتبهوا لواوه فالجامعة شبيهة به)، إذ يقول إنه لم يتمكن من التعرف على أي من وزراء خارجية موريتانيا، فخلال العشرية التي أمضاها أمينا عاما للجامعة تعاقب على حقيبة الخارجية في موريتانيا عشرة وزراء بمعدل وزير جديد في كل سنة جديدة!!.