
يكفي أن نسترق السمع إلى نقاشات سمار الفضاء الرقمي الوطني في إحدى ليالي أيلول الساخنة، لندرك حجم المفارقة !
ففي بلد لا تنقصه الأحداث التي تزيح القلب عن مستقره: فقر مزمن، هشاشة في البنى التحتية، فساد ينخر المؤسسات .... نجد أنفسنا مأخوذين بنقاشات حول "هوية الحراطين".
أي ترف هذا الذي جعلنا ننشغل بطفرات القواعد الآزوتية في شريط الـADN، كأننا بلغنا من الترف ما بلغته أثينا أيام سقراط؟!
لا قرينة في نواكشوط على أننا غارقون في ترف يوناني ، إذن هو خطأ في ترتيب الأولويات لا أكثر.
أعرف أن أكثر السمار إما عاطلون عن العمل أو مغتربون في عواصم بعيدة، لذلك لن أنصحهم بالنوم مبكرا ، فالنوم عند العاطل والمغترب ليس بتلك السهولة التي ينام بها المفسدون مطمئنين تحت المكيفات التي تعمل بمولدات كهرباء خاصة ، لكنني أنصحهم بتغيير الموضوع فبدل أن نناقش هوية الحراطين، لماذا لا نفتح النقاش حول رفع كل أشكال التمييز عنهم؟ لماذا لا نتحدث عن فتح أبواب الفرص أمامهم دون جدران مرئية أو أسلاك خفية؟ لماذا لا نضع على الطاولة مشاركتهم الفعلية في صنع القرار؟ ولماذا لا نتحدث باسهاب عن الخلل في توزيع الثروات والقطع الأرضية ؟ لماذا لا نطالب بفصل الوظائف الفنية والادارية عن الوظائف السياسية ؟ ولماذا نطالب بحقوق الحراطين في العمل والتنمية دون محسوبيات أو ولاءات ضيقة؟
وفي الختام فإن السؤال الأهم ليس من أين أتينا ؟ ، بل إلى أين نمضي جميعا؟
بقلم بابه يعقوب أربيه