الحوار السياسي المنتظر...؟

ثلاثاء, 04/03/2025 - 22:58

 

منذ عام 2019، وبعد كل خطاب للرئيس محمد الشيخ الغزواني، يغسل الوسط السياسي " كدحان ويحان"، كما كانت تقول جداتنا. 
وفي كل مرة، يثير التناقض بين خطاباته وواقع الحكم في البلاد، الشكوك وسوء الفهم وخيبة الأمل. 
في بداية ولايته الأولى، فتح الباب أمام المعارضة من أجل تحقيق تهدئة سياسية. وقد لاقت هذه المبادرة قبولاً واسعاً، على أمل تجاوز عقد من الخنق السياسي وسوء الحكم، وفتح عهد جديد لتعزيز ديمقراطيتنا. هذا أدى إلى تراجع نشاط المعارضة، التي تمكن، كما لو كان بسحر ساحر، من استغلالها. ففي مقابل هذه التهدئة التي منحته الوقت للتمكن من شؤون الدولة، سمح للمعارضة الضعيفة بالاستفادة من النظام، من أجل البقاء سياسياً ولأغراض أخرى عديدة... هكذا، من خلال بركة أجداده أو استراتيجية عسكرية، نجح في تشكيل معارضة تنافق نظامه من أجل مصالحها الخاصة، وتتصاعد في مواقفها عندما تقتضي الحاجة. جعلها بذلك تعتمد عليه، فاستعاد بذلك زمام المبادرة، وقيدها وزاد من انقساماتها. فهمنا متأخراً أن الهدف من التهدئة السياسية كان تقويض المعارضة وتفكيكها.

اليوم، لا يزال الرئيس يدعو إلى حوار سياسي، وهذه المرة حوار حقيقي وشامل، حيث سيتم تناول جميع القضايا الحساسة والمتجذرة. ورغم أهمية مثل هذا الحوار السياسي ومايمكن أن يلعبه من دور في إخراج البلاد من الأزمة التي تمر بها، فإنه من المشروع أن يشعر البعض بالشكوك حول تنظيمه في الوقت الحالي، خاصة وأن السلطة قد أجهضت حواراً سابقاً في الولاية الأولى بشكل أحادي، دون إنذار وبدون أفق محدد.

إذاً، ما هي المصلحة التي يمكن أن تجنيها السلطة من هذا الحوار في بداية ولايتها الثانية؟ تكمن الإجابة عن هذا السؤال في البحث عن دوافع هذا الحوار، الذي تسعى السلطة إلى تقديمه كإنفتاح سياسي تجاه المعارضة، ويخشى أن يكون ملغما مثل سابقه في الولاية الأولى.

في الواقع، حتى إذا كان من الممكن أن نعترف للرئيس محمد الشيخ الغزواني بصدق التزاماته وتوجهاته التقدمية، إلا أنه من الواضح أن رئاسته كانت سلسلة من الفشل، وسوء الفهم، والإحباطات. اليوم، بلغ الإحباط والخيبة مستوى يشعر فيه المواطنون بعدم الثقة، معتقدين أن البلاد تُدار بوكالة للسلطة الرئاسية. في الحقيقة إن عدم معرفته أو قدرته على فرض سلطته كرئيس منتخب بقوة الشعب، ينذر بنهاية حكم غير مضمونة وخلافة محفوفة بالمخاطر. ومن هنا، فإن الخوف من مصير مشابه لنظام محمد عبد العزيز يدفع إلى تنظيم حوار سياسي، بهدف خلق تهدئة سياسية جديدة، بينما يتم إعداد خطة تضمن انتقال السلطة بشكل أكثر أماناً. من أجل تحقيق هذه المناورة، تراهن السلطة بشكل متناقض على المعارضة أكثر من رهانها على الأغلبية الرئاسية، التي تعرف انتهازيتها وتبدلات مواقفها مع كل تغيير في السلطة. وبالفعل، ستواصل هذه الأغلبية تناغمها مع سياسة السلطة، بنفس التواطؤ والانتهازية، في انتظار أن يتضح مشروع الانتقال الذي سيقدمه النظام. وما يهمها أكثر هو أن تتموقع بشكل جيد في الأغلبية الرئاسية المقبلة، مهما كانت. أما المعارضة الديمقراطية، فلن تفوت فرصة هذا الحوار لإظهار إخفاقاتها وأنانيتها الفظة. ستشارك فيه، كالمعتاد، بشكل متفرق، بمواقف ومطالب أحادية. كل طرف يسعى للظهور بمفرده لتحقيق مصالحه، في محاولة للاستفادة من ضرورة الإجماع للتوافق لإظهار وجوده وإثبات نفسه. إن إفتقار المعارضة إلى القدرة على تكوين تحالفات قوية وفعالة،  يشكل نقطة ضعف هيكيلة سيستغلها النظام لتقويضها بشكل أكبر في مواجهة تحديات نهاية ولاية الرئيس غزواني.

إذاً، ما هي أهداف السلطة من هذا الحوار السياسي؟

• إخفاء هدف تشكيل جمعية وطنية أضمن وفاء، من خلال إغراء المعارضة بالانتخابات المبكرة، التي ستُنظم بشكل توافقي مع لجنة وطنية مستقلة للانتخابات معدلة ستكون المعارضة غير مستعدة لخوضها وبالتالي ستقع في هزيمة قاتلة.

• إضفاء شرعية على الحزب الواحد الجديد: من خلال تقويض الإجماع بشأن الجدل المتعلق بالقانون الجديد للأحزاب السياسية،  بإظهار مرونة في تكييف الأحزاب القانونية. هنا، هدف السلطة هو انهيار الديمقراطية الصورية الموجودة.
التوصل إلى قرارات توافقية غامضة وشكلية: تتعلق بقضايا العبودية، وملف الإرث الإنساني، والتمييز، وسوء الإدارة، وغيرها من المشاكل العالقة، حيث ستكون تطبيقاتها غير مؤكدة، وربما مشوهة وموجهة لخدمة المصالح الخاصة.
وهكذا، مع فشل رئاسة محمد الشيخ الغزواني، التي تميزت بتفاقم سوء الحكم، وسوء الإدارة، والتمييز، وتراجع الحريات والديمقراطية، لا يمكن إلا أن نشكك في مصداقية مثل هذا الحوار، حيث أن الأطراف المعنية أكثر انشغالاً بحسابات سياسية أنانية من السعي لتحقيق توافق لإرساء دولة قانون قابلة للحياة. إن التجربة والفطنة السياستين تمليان على المعارضة أن تكون أكثر يقظة وذكاء. يجب أن تبتعد بشكل حاسم عن النظام، وتجرؤ على إعادة بناء نفسها من خلال حوار داخلي  للمعارضة.ويجب أن يكون هدفها الأولوي المطلق هو تغيير النظام الذي مضى عليه ما يقرب من أربعين عاما والذي أصبح بمثابة سرطان سياسي ينخر جسم البلد. 
وبالتالي فإن الحوار لا يهم المعارضة إلا إذا كان من شأنه أن يؤدي إلى تخليص الموريتانيين من نير هذا النظام الذي يأسرهم، أو تحريك الأمور في اتجاه التغيير. 
إذا دخلت المعارضة الحوار دون أن تحسن من جاهزيتها، فإنها تخاطر بدق آخر مسمار في نعشها، لأنه مهما كانت نتائج هذا الحوار، فإنها لن تُنفذ من قبل النظام الحالي، ولا من نظيره القادم.
محمد داود إميجين
4مارس2025