تصنيف الوزراء

ثلاثاء, 21/01/2025 - 18:46

نحن أهل بادية ولا عيب في ذلك لأننا في صحرائنا ركب من الأشراف مرتحل! 
باديتنا عالمة ومكتباتنا في الخيام ومدرجات جامعتنا على ظهور العيس كل هذا جميل جدا .
ومع ذلك، فإن انعزالنا عن السلطة المركزية حتى ستينيات القرن العشرين قد ترك أثراً بالغاً على علاقتنا بالدولة ومؤسساتها، حيث كانت هذه العلاقة طفولية وغير ناضجة.
حتى الآن، لازلنا ننظر إلى الوظائف الحكومية كرمز للمكانة الاجتماعية والنفوذ داخل القبيلة والمجتمع الضيق. بعبارة أخرى، يتم اعتبار الوزارة دليلاً على الوجاهة والمكانة التين   يتمتع بهما الوزير وعائلته. وحيث أن الحفاظ على هذه المكانة يتطلب الكثير من الإنفاق، يشعر الموظف الحكومي من أصول بدوية بالحاجة الملحة إلى الحصول على المال بأي وسيلة للحفاظ على هذا التوازن الدقيق بين الثروة والسلطة
 هذه العلاقة السوريالية بيننا وبين السلطة أفرزت على مر تاريخنا عدة أنماط من الوزراء .
النمط الأول، الذي يمكن تسميته وزراء الفئة (أ)، يضم فئة من الوزراء يتمتعون بصلات وثيقة بالدولة العميقة أو يتمتعون بمكانة اجتماعية راسخة داخل القبيلة أو المجتمع الضيق، أو تربطهم صلات قرابة أو مصاهرة بأصحاب السلطة."
هذا الصنف من الوزراء غالبا ما تمر دورة حياته الوزارية بمراحلة ثلاث ، فعند التعين الأول يتحمس الجميع و لسان حالهم قول الشاعر : 
أَتَتهُ الخِلافَةُ مُنقادَةً :: إِلَيهِ تُجَرِّرُ أَذيالَها
وَلَم تَكُ تَصلُحُ إِلّا لَهُ :: وَلَم يَكُ يَصلُحُ إِلّا لَها .
ثم تعاد الثقة بالوزير مرات ومرات ويتسرب الملل إلى الذين فرحوا بمقدمه أول مرة فيصبح تعين معاليه تماما كما قال الشاعر الشعبي : 
كنت يالعكل مالحَ :: وامقرد ماك أمالحْ
واليوم اصبحت مالحَ :: وامقرد ماك أمالحْ .
وحين يتغير النظام أو تزول صلة
الوزير بالدولة العميقة أو يتغلب عليه منافس داخل القبيلة ، عندها يغادر  تماما كما غادر الفضل بن مروان : 
لتبكِ على الفضل بنِ مروان نفسُه :: فليس له باك من الناس يُعرفُ! .
الفئة الثانية من الوزراء، والتي يمكن تسميتها الفئة (ب)، تشبه العناصر الإضافية التي تدخل في المعادلات السياسية لتحقيق التوازن. غالبًا ما يتم تعيين هؤلاء الوزراء في نهاية تشكيل الحكومة لإشراك قبيلة أو جهة سياسية معينة، ومدة ولايتهم قصيرة، عادة ما تكون سنة واحدة، ولا يتم تجديدها. 
الفئة (ج) تضم وزراء صعدوا إلى السلطة من خلال جهود شخصية كبيرة. هؤلاء الوزراء غالبًا ما يكونون موالين للنظام الحاكم ويتميزون بطاعتهم له. في كثير من الحالات، ينجحون في الحفاظ على مواقعهم حتى بعد تغير الأنظمة.
الفئة (د) تضم وزراء قد اتخذوا من تيارات سياسية معارضة أو من العمل على قضايا اجتماعية سلما للحصول على حقيبة وزارية ،  غالبًا ما يخسر وزراء الفئة(د) رصيدهم النضالي مقابل المنصب الوزاري المؤدي في النهاية إلى هامش التاريخ .
ظهرت في الآونة الأخيرة فئة جديدة من الوزراء، يمكن تسميتها الفئة (هـ)، وهي فئة ارتبط صعودها بمتابعيها على وسائل التواصل الاجتماعي. يشبه نجاح هؤلاء الوزراء نجاح بعض المشاريع الرقمية التي تحظى بشعبية كبيرة لفترة قصيرة ثم تفقد قيمتها بسرعة .
بالتأكيد، هناك استثناءات كثيرة لهذا التصنيف. فقد شغل بعض الوزراء مناصبهم بكفاءة عالية، وساهموا بشكل كبير في تطوير القطاعات التي تولوا مسؤوليتها. كما أن بعض الشخصيات البارزة، مثل العلامة محمد سالم ولد عبد الودود رحمه الله كانت أكبر من مستوى الوزارة بكثير.  
وفي الأخير فإن تدهور البنية التحتية، وتأخر كافة المشاريع التنموية وارتفاع أسعار العقارات، وطريقة إدارة وزارة الثقافة كما لوأنها مخيم مدرسي،  كلها أمور تشير إلى وجود خلل في آليات اختيار الكفاءات وتولي المناصب الوزارية.
حفظ الله موريتانيا .
بقلم بابه ولد يعقوب ولد أربيه 
مهندس في مجال المياه والصرف الصحي 
وتساب : 38422201