كانت الساعة الخامسة مساءً بالتوقيت المحلي، زحمة سير خانقة على محور “مدريد” ودوار “الرابع والعشرين” جعلت العبور بانسيابية مهمة شبه مستحيلة، إنها معركة يومية يخوضها أصحاب السيارات والقاطنون جنوب شرق العاصمة نواكشوط.
بدا شرطي المرور عاجزًا عن تنظيم حركة السير، طوابير السيارات، عربات التوك توك، والباصات عالقة بلا مخرج؛ الجميع يتذمر، والمشادات بين السائقين باتت مشهدًا مألوفًا، حيث يرى كل منهم أنه أحق بالعبور، “الأنانية تسيطر”، كما وصف أحدهم المشهد.
منذ أسابيع، يشهد هذا المحور زحمة سير خانقة، نتيجة إطلاق السلطات أشغال تحديث البنية التحتية في إطار خطة حكومية تحت اسم “مشروع حركية نواكشوط في أفق 2026″، بتكلفة تقدر بـ48 مليار أوقية قديمة.
الخطة تشمل تخصيص مسارات خاصة بالنقل العام، وبدأ تنفيذها على محوري “مدريد-توجنين” و”مدريد-الرياض”، وهما من أكثر الطرق استخدامًا بسبب الكثافة السكانية العالية في المناطق التي يمران بها.
وتشمل الإجراءات الجديدة تخصيص الجهة الوسطى من الطريق للمواصلات العامة، عبر وضع مربعات من الطوب تفصل بين المسارات، مما خلق معوقات إضافية لحركة المركبات الخاصة والتجارية.
اختناقات مرورية
زاد الوضع تعقيدًا استمرار إغلاق دوار مدريد لإتمام بناء الجسر، ما أدى إلى اختناقات مرورية يومية، حيث تبدو عشرات السيارات عالقة لساعات طويلة.
يقول محمد الأمين، إن الأشغال تضرر منها سكان أحياء نواكشوط الجنوبية والشرقية، مؤكدا أن التنقل بين هذه المناطق إلى المناطق الأخرى من العاصمة صار مهمة “صعبة”.
في السياق ذاته، يشكو أصحاب سيارات الأجرة من الإغلاق، معتبرين أنفسهم الأكثر تضررًا، حيث اضطروا للتخلي عن مساراتهم المعتادة لنقل الزبائن، ويقضون ساعات طويلة عالقين وسط الزحام.
وقال المختار، صاحب سيارة أجرة، إن الإغلاق تسبب في معاناة كبيرة لسائقي سيارات الأجرة، فقد أصبح التنقل أكثر صعوبة وفقدوا المسارات المحددة التي كانوا يعتمدون عليها لنقل الزبائن.
وأضاف أن الوقت الذي يقضيه السائقون في الزحام أصبح طويلًا للغاية، مما يؤثر على إنتاجيتهم اليومية ودخلهم بشكل مباشر.
أما محمد ماء العينين، وهو سائق سيارة أجرة، يقول إن الإغلاق تسبب في ارتباك كبير لحركة النقل، مشيرًا إلى أن السائقين أصبحوا يجدون صعوبة في الوصول إلى الزبائن في الوقت المناسب.
وأضاف أن هذا الوضع أدى إلى انخفاض عدد الرحلات اليومية، ما أثر بشكل مباشر على دخل السائقين.
وأشار إلى أن إيجاد حلول تنظيمية، مثل تحديد مسارات بديلة واضحة أو تخصيص أوقات معينة للإغلاق، قد يخفف من معاناة السائقين ويساعدهم على مواصلة عملهم بشكل أكثر كفاءة.
نقل حضري
يرى عبد الله ولد إسلم، خبير في أمن المرور، أن الأزمة المرورية الحالية في نواكشوط، وخصوصًا في الأحياء الشرقية، ناتجة عن جهود لتحسين ظروف حركة المرور في المدينة.
وأوضح أن هذه الجهود تأتي ضمن إطار خطة دولية تهدف إلى تحسين المرور في عدد من البلدان، مشيرًا إلى أن الخطة تمتد لعشر سنوات وتهدف إلى تقليل حوادث السير بشكل ملحوظ.
وأضاف ولد إسلم أن الخطة تعتمد على مجموعة من الوسائل الهامة، من بينها تقليل حركة السيارات الخاصة، وتعزيز استخدام وسائل النقل العامة كجزء من استراتيجية شاملة لتحسين البنية التحتية المرورية وتحقيق انسيابية أكبر في حركة السير.
تقول الحكومة إن مشروع حركية نواكشوط يأتي في وقت تعرف نواكشوط نموا ديموغرافيا كثيفا، يرافقه توسع عمراني أفقي مضطرد وزحمة مرور خانقة خاصة عند الملتقيات الطرقية الكبرى وعلى المحاور الرئيسية.
وأضافت أن ذلك يستجوب إنشاء بنى تحتية طرقية عصرية ملائمة لهذا الإشكال من جسور وتقاطعات مجهزة وصولا الى نظام نقل عمومي جماعي فعال وعالِي القدرة عبر مسارات محجوزة، كجزءٍ من أي حل مستديم.
وبحسب الحكومة، فإن هذا المشروع سيوفر نظامَ نقلٍ بحافلاتٍ عالية الجودة، على مساراتٍ محجوزة بطول 51 كلم، في كافة مقاطعات نواكشوط مع تأهيل الملتقيات الطرقية عند التقاطعات الرئيسية وتسييرٍ ذكي للمرور وتهيئة ممرات خاصة بالراجلين وبالدراجات، لضمان انسيابية افضلَ، في وسطٍ حضري كثيف.
sahara media