جغرافية وتاريخ مدينة شنقيط

خميس, 12/12/2024 - 11:26

تعتبر شنقيط مدينة أثرية تابعة لولاية آدرار، وهي مدينة تاريخية عرفت البلاد باسمها في العالم الإسلامي طوال قرون، وكان لها دور ديني وثقافي واقتصادي بارز على الطرق التجارية القديمة.

وتحتفظ اليوم بكنوز ثقافية عبر مكتباتها التي تضم مخطوطات نادرة.

التسمية والتاريخ:

يخضع أصل تسمية شنقيط لتفسيرات مختلفة، أبرزها أن أصلها “عيون الخيل”، أو أنها مشتقة من اسم جبل في المنطقة، أو مشتقة من كلمة “شَقِيط” التي تعني الفخّار أو جِرار الخزف التي تحفظ فيها المياه.

وتعود نشأة المدينة إلى القرن الثامن الميلادي أي الثاني الهجري، وذلك بتأسيسها تحت اسم “أبير” عام 777م/160هـ على بعد ثلاثة كيلو مترات من مدينة شنقيط الحالية.

و”أبير” هي “شنقيط الأولى”، وفق ما ينقل أحمد مولود الهلال عن مخطوط كتاب “تاريخ ابن حبت”، أحد علماء المدينة.

وتعيد المصادر تأسيس شنقيط الحالية إلى نحو ما يقارب ثمانية قرون، أي في حدود منتصف القرن الـ13 الميلادي 1262م/666هـ، حيث كانت من المراكز التجارية المهمة على طرق القوافل، التي كانت تعبر الصحراء بين غرب وشمال إفريقيا.

ومن أولى الإشارات إلى المدينة؛ ما ذكره مؤرخ “تمبكتو” عبد الرحمن السعدي (المتوفى 1656م) في كتابه “تاريخ السودان”، وذلك في معرض تعريفه بقاضي “تمبكتو” “محمد نض” الشنقيطي الأصل، الذي كان يتمتع بنفوذ كبير تحت حكم زعيم الطوارق “آكل”.

وقد كان الزعيم الطوارقي “آكل” يحكم تمبكتو في حدود 1433م، ما يعني أن المدينة كانت موجودة في النصف الأول من القرن الـ15 الميلادي، وفقا لما ينقل أحمد مولود الهلال عن عبد الودود ولد الشيخ.

وفي أوائل القرن الـ16، ذكر المؤلف والمترجم الألماني المقيم في البرتغال “فالنتيم فرنانديز” أن شنقيط هي ثالث أهم مدينة مأهولة في البلاد في ذلك الوقت.

وشهدت شنقيط فترات ازدهار منذ القرن الـ13، لكن ازدهارها الأبرز كان ابتداء من القرن الـ18 الميلادي.

وحجزت المدينة مكانها باعتبارها مركزا علميا وروحيا، وشكلت منطلقا للحجيج نحو الديار المقدسة، وهو ما أكسبها شهرة في الأصقاع، ليطلق اسمها على البلاد، ولا سيما في بلدان المشرق الإسلامي.

وأسهمت في هذا التطور عوامل متداخلة، أبرزها ركب الحجيج الذي كان ينطلق منها قاصدا الديار المقدسة، وقدوم علماء من البلاد إلى المشرق للحج ومذاكرة العلماء واقتناء المكتبات، واستقر المقام ببعض هؤلاء في أقطار المشرق، مثل مصر والحجاز والعراق والسودان.

الموقع الجغرافي للمدينة:

تقع المدينة في الركن الشمالي الغربي من ولاية آدرار، على بعد (80) كيلومترا شرق مدينة أطار، عاصمة الولاية.

وتحفها من الشمال والغرب جبال آدرار، وتنفتح شرقا على فضاء صحراوي مترامي الاطراف، على بعد (660) كيلومترا من خط الحدود مع مالي.

وتتربع شنقيط على هضبة آدرار في منطقة الوسط والشمال الغربي للبلاد، على بعد (530) كلم من العاصمة نواكشوط، وعلى ارتفاع يقارب (400) متر فوق سطح البحر.

المناخ وموارد المياه:

ترتفع درجات الحرارة في فترة الصيف خلال النهار، وتنخفض بشكل حاد في الليل، و تصل 32 درجة مئوية خلال فترات الحر، بينما تصل درجات الحرارة الدنيا إلى 7 درجات.

ويتميز المناخ بالجفاف الذي يتضح من ندرة الأمطار طوال العام، بمعدل تساقطات مطرية لا يتعدى 12 ملم سنويا، مما أسهم في انتشار ظاهرة التصحر وزحف الرمال.

وتتوفر المدينة على مصادر مياه جوفية عذبة، لكن منسوبها مهدد بفعل تناقصه المستمر، مع تزايد الاستغلال وندرة تعويض المخزون لشح الأمطار.

الأنشطة الاقتصادية:

اعتمد اقتصاد المدينة تاريخيا إلى حد كبير على التجارة عبر الصحراء الكبرى، التي منحتها موقع قطب تجاري، وأسهمت في ازدهارها لقرون، بفضل بضائع مختلفة أبرزها الذهب والملح والتمر والصمغ العربي.

وتعتبر شنقيط محطة مهمة على طريق القوافل للتجارة عبر الصحراء في غرب أفريقيا، حيث كانت تربط بلدان أفريقيا بحواضر المغرب مرورا بمدينة تيشيت وولاته باتجاه مالي.

وتعد شنقيط حلقة الوصل بين المراكز التجارية على امتداد طرق القوافل، حيث منحتها المناجم آنذاك أهمية اقتصادية كبيرة، مما جعلها تحتل أهمية مركزية في المبادلات التجارية، خصوصا تجارة التمور والجلود والثياب.

وتحتوي المدينة على العديد من المناطق الأثرية الجاذبة للسياح، مثل

(ابير) و(كلب الراوي) و(كلب اولول) والمناطق السياحية، مثل (الزركه والنيان وتيشليت والعاتك وواحة لعكيله وتندوعلي وانتكمكمت).

السكان والمعالم والآثار:

يبلغ عدد سكان شنقيط (6549) نسمة، وفقا لبيانات المكتب الوطني للإحصاء للعام 2024.

وتضم مدينة شنقيط العديد من الأماكن ذات الأهمية للزوار والسياح، وخاصة المهتمين بالتراث الثقافي والتاريخي. ويمثل المسجد القديم في المدينة معلما معماريا من القرن الـ13، يجسد نمط العمارة الإسلامية الصحراوية، ونموذجا لتراث المدينة الإسلامي المزدهر وإشعاعها الروحي.

واكتسبت منارة المسجد الحجرية المربعة رمزية وطنية، وأصبحت صورها ومجسماتها تجسد التعبير المعاصر عن الهوية الوطنية في بعدها الإسلامي والتاريخي.

وتصنف اليونسكو شنقيط موقعا للتراث العالمي، إلى جانب مدن ودان وتيشيت وولاتة، وذلك باعتبار هذه المدن شاهدا فريدا على الثقافة البدوية والتجارة في بيئة صحراوية منذ العصور الوسطى، حيث كانت مراكز مزدهرة ذات حياة دينية وثقافية غنية، واستطاعت الحفاظ على نمطها المعماري الاستثنائي منذ مايزيد على سبعة قرون ونيف.

وتضم مدينة شنقيط العديد من المكتبات، تحتوي على مئات الآلاف من المخطوطات النادرة، وهي مكتبات أهلية، تتوارثها العائلات عبر الأجيال، وتجذب هذه المكتبات الباحثين والأكاديميين المهتمين بدراسة التراث الثقافي للإسلام في غرب أفريقيا، حيث يضم فهرس المعهد الموريتاني للبحث العلمي (3968) مخطوطا في 20 مكتبة في المدينة، من أبرزها مكتبة أهل أحمد شريف، ومكتبة أهل حبت، ومكتبة أهل أحمد محمود ومكتبة أهل حامني.

تقرير: محمد إسماعيل

وما