في عالمنا الثالث المسكين يأتي كل نظام جديد أو حكومة جديدة بسيناريو معدل لمسرحية تخفيض الأسعار الكرتونية ذائعة الصيت .
في هذا المقال لا أريد أن أتلاعب بالألفاظ و لا أن أستعرض مهارتي في النقد أو السخرية ولكنني سأحاول محاولة جادة - حسب جهدي - أن أتطرق لموضوع يهم كل بيت موريتاني .
تخفيض الأسعار ليس لعبة وليس مسرحية ولكنه بالمقابل ليس مستحيلا ، بل على العكس من ذلك هو سهل حين نبتعد عن الارتجالية و مغالطة الجماهير ونتحلى ببعض الشجاعة في اتخاذ القرار السياسي .
مؤخرا اجتمع معالي الوزير الأول الموقر السيد المختار ولد أجاي بمصنعي الأسمنت في موريتانيا وكانت النتيجة تخفيضا لا يكاد يعني شيئا بالنسبة للمواطن الموريتاني غنيا كان أو فقيرا .
بالطبع لن أعيد مثل الببغاء تلك الأسطوانة التي تتهم مصنعي الأسمنت وتقارن بيننا وبين دول الجوار و من البديهي كذلك أنني لن أدافع عن رجال الأعمال ومالكي المصانع فقط سأتناول الموضوع من منطلقين أساسيين :
- المنطلق الأول : لا معنى للحديث عن مصانعَ للأسمنت لا تنتج الكلنكر و هو لمن لا يعرفه مادة صلبة تدخل في صناعة الأسمنت بنسبة 80% كمنتج وسيط يتم إنتاجها عن طريق تسخين الطين والحجر الجيري عند درجة حرارة 1400 إلى 1500 درجة مئوية .
في البلدان المجاورة مثل الجزائر والمغرب والسينغال يتم إنتاج هذه المادة مما يشكل عاملا أساسيا في انخفاض سعر الاسمنت ، بينما في موريتانيا يتم استيراد الكلنكر وهو ما يجعل ارتفاع سعر الاسمنت مرتبط بالجمركة وصرف الأوقية وعوامل أخرى .
- المنطلق الثاني وهو الارتباط الخطي بين سعر الأسمنت وأسعار الكهرباء المرتفعة في بلدنا مقارنة بالبلدان الأخرى ومن المعلوم لكل مهتم بصناعة الاسمنت أنها من بين الصناعات التي تستهلك الطاقة بشكل كبير إذ تمثل تكاليف الوقود والطاقة ما بين 30 - 40 % من إجمالي الانتاج .
وكخلاصة للموضوع يبقى الحديث عن تخفيض أسعار الأسمنت مجرد فصل من المسرحية آنفة الذكر ما لم تنتج مصانعه الكلنكر محليا و ما لم تخفض الدولة أسعار الطاقة بشكل خاص تشجيعا لهذه المصانع .
قد يقول قائل إن أسعار الأسمنت ليست أولوية مقارنة بتخفيض أسعار الخبز مثلا والإكتفاء الذاتي في مجال الزراعة .
من المعلومات المتداولة بمصداقية كبيرة ذات مرتكزات علمية وبحثية أن موريتانيا تمتلك أراضي خصبة لزراعة القمح وكثير من الخضروات والفواكه ، هذه المعلومات تجعلني متحمسا لأسأل المعنيين بالأمر :
لماذا لا نزرع القمح بدل استراده من الغرب وفتح مصانع في الحقيقة ماهي إلا ورشات تعليب كبيرة تستهلك طاقة مرتفعة السعر وتدفع الجمركة ثم تحاول استرداد كل ذلك من جيب المواطن ؟
لماذا نستورد بعض الخضروات والفواكه بتكاليف نقل وجمركة باهضة في حين يمكننا أن نزرعها الآن ؟
ربما تكون الكلمة المفاتحية في هذا الموضوع هي القرار السياسي الشجاع الذي لا يجامل ولا يلقي بالا إلا لمصلحة الوطن والمواطن .
بقلم بابه ولد يعقوب ولد أربيه .
مهندس في مجال المياه والصرف الصحي
الهاتف والوتساب : 38422201