حكومة ثقة و كفاءات لا حكومة محاصصات
تتأثر ثقة المواطن بالحكومة بعوامل عديدة لعل من أهمها:أولاً:
فاعلية السياسات المعلنة، والى أي مدى تحقق أهدافها المعلنة التي يشعر بها المواطن. وحين يتكرر إخفاق السياسات في الإنجاز و الوصول إلى ا لأهداف، فإن ثقة المواطن ومدى تصديقه لما تقوله الحكومة يتراجع بشكل كبير. والأخطر من ذلك أن الجهاز الإداري يفقد الثقة بنفسه،وبتعليمات التي تصدر عن السلطات العليا ويأخذ أداؤه بالهبوط والابتعاد عن الجدية والفاعلية، لأن الموظف كالمواطن يدرك أن السياسة التي تتبانها الحكومة لن تصل إلى أي نتيجة. إنها مجرد وعود ومشاغلة وانشغال. وهذا يدفع الجهاز الوظيفي إلى مزيد من اللامبالاة، وعدم الاستعداد لخدمة المواطن. وهذا ما نعانيه اليوم للآسف الشديد
الثقة في مفهومها البسيط والعميق يتجلى معناها فيما تحققه المؤسسة السياسية أو السلطة للمواطن من احتياجات ومطالب اجتماعية وآمال وطموحات، فالثقة تنشأ دائماً من ضمان العيش الكريم والكرامة للمواطن، تلك الكرامة التي تشعره بالانتماء والمواطنة وتبعد عنه الشعور بالاغتراب.
الثقة تعتمد على تقييم المواطنين لمدى التزام السلطة بتنفيذ ما وعدت به وما أكدت تحقيقه، وهي تمثل أيضاً انعكاساً لأداء الحكومة والبرلمان والرئيس ومدى حسن إدارة ثروات البلاد والاقتصاد ويمكن قياسها من خلال درجة رضا المواطنين بهذا الأداء.
إذا فشلت السلطة في ذلك، فهي تفقد مصداقيتها وثقتها لدى الشعب .
والحكومات الموريتانية المتعاقب لم تفشل فقط في سياستها وإدارتها وبرامجها، بل فقدت هيبتها ولم توفق حتى في الاحتفاظ باسمها فسميت بـ"العصابة" بدل السلطة بسبب الفساد الكبير الذي طالها وبشكل فاضح وصادم.
أجل، المواطن الموريتاني اليوم، مصدوم من هول حجم الفساد الذي كان وراءه رموز السلطة وأعضائها، فبعد أن فقد الثقة في السلطة التشريعية (البرلمان) نتيجة إخلالها بمهمة تمثيل الشعب والدفاع عن مطالبه، فقد الثقة في الوزير ورئيس الحكومة، أي كل ما يمثل منظومة الحكم.
الثقة بين المواطن الموريتاني والسلطة لم تتزعزع فحسب، بل أصبحت مفقودة تماماً، خصوصاً بعد ما كشفت عنه سلسلة قضايا الفساد من أرقام خيالية تلخص حجم الفساد الذي أفلس البلاد وأفقر الشعب وزعزع أركان الدولة.
ان استعادة الثقة بين المواطن اليوم والدولة تحتاج حكومة كفاءات لا حكومة محاصصة و عهد موثوق من جانب السلطة وتواجد حقيقي للمؤسسة السياسية وتعامل مسؤول وجاد لتكون معبرة عن هموم واحتياجات المواطن بكل شرائحه الاجتماعية، و التخلص من كل آثار الفساد وملاحقة الفاسدين وإبعاد الوجوه الفاشلة كلياً من المشهد السياسي والاقتصادي.
كل هذا لن يتأتى إلا إذا شعر المواطن بوجود قطيعة فعلية مع الممارسات السابقة للقائمين على شؤون البلاد ومن ثم تبدأ الثقة في نسج خيوطها شيئاً فشيئاً.
ما يتطلبه الوضع في موريتانيا اليوم، هو ترميم الثقة بشكل سريع رغم صعوبته، والاكتفاء مبدئياً بمعالجة الحالة بالترميم، ثم التفكير في بناء الثقة لأن عملية البناء طريق طويل يحتاج تعبيده إلى العمل والمكاشفة والمصارحة أمام المواطن، بشكل يجعله شريكاً فعالاً في المعادلة السياسية، وبالتالي معالجة شرخ الثقة الموجود بينه وبين السلطة
فخامة رئيس الجمهورية المواطن العادي اليوم حائر أمام سيل من التسائلات.
كيف يمكن لدولة أن تتقدم؟ وتحقق نجاحات اقتصادية واجتماعية وفكرية وعلمية إذا كانت الثقة لدى المواطن غائبة؟ كيف يمكن أن يتحسن الأداء وتزيد الإنتاجية؟ إذا كانت الخلفية الذهنية والنفسية تقوم على أساس التشكك في توجهات الحكومات ونواياها حتى في أبسط الأشياء؟ كيف يمكن للمؤهلين للإبداع أن يبدعوا ويبتكروا إذا سيطر على نفوسهم عدم الثقة والتشكك في نزاهة الإدارة ؟ كيف يمكن أن يشعر المواطنون بالسعادة والرضا والاستعداد للعمل والتضحية إذا كانت الثقة غائبة؟ إن الدول الأكثر تقدماً هي الأكثر تمتعاً بثقة المواطن والثقة بالحكومة والثقة بالإدارة والثقة بالقضاء والثقة في المجتمع بكامله، فذلك طريق التقدم والازدهار.
أعرف ان مقالي ربما لا يروق للكثيرين لاكنني أدرك ان المواطن اليوم بحاجة الي حكومة تعيد ثقته في نفسه ووطنه حكومة ثقة و كفاءات لاحكومة محاصصات
بقلم شيخنا سيد محمد