قبل 14 سنة من الآن وأنا طالب ماجستير بجامعة الجزائر ، كنت قد كتبت مبحثا عن علاقات موريتانيا الثنائية مع كل من الجزائر والمغرب، وذلك ضمن أطروحتي عن التعاون المغاربي في السياسة الخارجية الموريتانية، ورغم شح المصادر آنذاك وصعوبة التنقل بين المكتبات وضغط الوقت قبل النقاش ، حاولت بالتوازن الأكاديمي من ناحية (الموضوعية) واستحضارا لموقف الحياد الايجابي الذي تنتهجه بلادنا من ناحية أخرى، أن أسس الأطروحة على أهمية أن ينتقل الموقف الدبلوماسي لموريتانيا من مجرد الحياد السلبي ، الذي يعجز عن التعاون بفاعلية وضمن مصالح موريتانيا غير المرتهنة لهذا الطرف أو ذاك، إلى الحياد الايجابي القائم على تفعيل كل متطلبات أواصر التعاون والعلاقات الأخوية بين موريتانيا وجيرانها في البلدان المغاربية خاصة الجزائر والمغرب التين يجمعنا معهما المغرب العربي والشمال الإفريقي تاريخيا وجغرافيا، فضلا عن القيم الكثيرة المشتركة دينيا وثقافيا واجتماعيا إضافة للمصالح الاقتصادية والتنموية الهائلة التي ينبغي أن تطغى على كل المسائل السياسية الآنية، هذه الرؤية أو المقاربة التي ستؤدي مع الوقت لدفع التعاون والتكامل المغاربي إلى مسارات أرحب وأوسع .
حينها كانت نتائج البحث وتوصياته والتي منها طريق تيندوف – زويرات، حلما لا أرى له تصديقا في الواقع، إذ كل الأنظمة السابقة غير متوازنة ولا تسعى لمصالح موريتانيا بهذا المعني المتبصر، بل منحازة لهذا الطرف أو ذاك على حساب مصالح موريتانيا غالبا التي تضيع بسبب الاستقطاب ، ورغم ذلك كنت متأكدا أن الدبلوماسية الناجحة والحياد الايجابي بين الأشقاء والمصالح المشتركة تقتضي أن تتحقق لموريتانيا هذه المقاربة في السياسة الخارجية يوما ما ، إذا ما حظيت بنظام سياسي وطني ومتوازن يراهن على مصالح الأمة برؤية ثاقبة ودبلوماسية محايدة وفاعلة في نفس الوقت .
وها نحن اليوم بفضل الله نحقق هذا الحلم الذي يعرفه الدارسون والباحثون في هذه العلاقات ونحظى بقيادة سياسية رشيدة ومتبصرة منذ انتخاب فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني الذي راهن من أول يوم على مصلحة موريتانيا ضمن علاقاتها الإقليمية والدولية وبوأ كل الأشقاء والأصدقاء منازلهم باحترام وتبادل لصالح موريتانيا وفق مبادئي دبلوماسية محايدة بفاعلية في الخلافات التي تقع بين الجيران ، فموريتانيا بلا شك تحب للمغرب والجزائر الخير وما يسعيان إليه من تقدم وازدهار وتعمل على تقوية أواصر الاخوة والتبادل معهما ، ولكن لاتنحاز لأي منها في خلافات بينية ينبغي أن يغلب عليها الحوار والمصالح والمصير المشترك.
لقد جسدت حكومة بلادي اليوم هذه السياسة المتقدمة في الدفع بمصالح موريتانيا والإقليم المغاربي إلى الأمام ففي الوقت الذي يدشن فيه فخامة رئيس الجمهورية طريق تندوف – زويرات مع مشاريع أخرى مشتركة مع الشقيقة الجزائر كان معالي الوزير الأول يستقبل وفدا مغربيا ساميا ورجال أعمال موريتانيين ومغاربة في نهاية أيم اقتصادية مثمرة في العلاقات مع الأشقاء في المملكة المغربية التي تعززت العلاقات معها في مجالات عديدة ومتنوع.
المصطفى البح