نكّس إبليس رأسه مهموما ، لم يكن يتوقع يوما أن يتفوق تلامذته عليه وهو الضليع بأساليب الترهيب والتقتيل والفتن .
وحوش دالي المتعطشة للتخريب والتدمير غادرت كل المتاحف لتعيث فسادا في الأرض.تتقن لعبة التنكر والتضليل لذلك تراها هنا وهناك بعمق البحار وفوق الجبال وعلى أسنّة السياسة والإعلام والاقتصاد وبين أظهرنا وفي الجو والبحر والبرًّ.تبرأ دالي كما إبليس من وحوشه بعدما تقمّصت دور الضحية مرتدية قناع الديموقراطية والسلم والسلام .
وهناك بالأرض الطيبة ، ترى السماء تنزّ دما،شاهدة على سارقي الأحلام وقاصفي الآمال والذكريات بصولاتهم وجولاتهم المخزية وهم يقارعون قوارير الدواء وأنين المرضى ودموع الأمهات ، مطاردين وهم الانتصار بعدما تساقطت كل الأقنعة وكشفت كلّ العورات .
وبين غبار فسفوري أجفل الشمس ، وقصف جنوني أسقط العتمة من الضوء، وجوه صارمة،رجال ونساء منتصبي القامة جمعهم الألم والإيمان والبحث بين الأنقاض عن فلذات أكبادهم ، لكل واحد منهم حكاية تتقاطع مع الصبر والأمل في احتضان الحق والكرامة و مصاب بين الركام والمسك..
شعب يحب الحياة اذا ما استطاع إليها سبيلا.
أرضه الطيبة، رمز العزّة والصمود تبتلع الآلام وتتجرع المرارات وتقاوم الموت بالشهادة لتحيا . فجاءت صرختها مدوّية . ربما لتوقظ الضمير النائم.حزن فلسطين الأبيّة عميق،محفور بالتاريخ منذ قدمت قربانا على أعتاب الأمم المتحدة تكفيرا لذنب لاعلم لها به . ربما طيبتها أعمتها عن رؤية الاحتيال ومخطط الاحتلال والتهجير والاستيطان. . أرضنا الطيبة مهد الحضارات والأديان، جميلة بروحها ومناخها وتاريخها وجغرافيتها لولا شيطان الفتن الرجيم . ، أحلامها بسيطة ، تأمل أن تعانق حقوقها المشروعة كاملة السيادة كأي بلد حرّ. وتضم كل أشلائها المبتورة الى حضنها الذبيح .
فلسطين تمثل الأم الحنون التي تضحي بكل جوارحها حتى تحرر أبناءها من الظلم والأسر .وحتى تكتب ملحمة بطولية للتحرير ترويها بفخر لأجيالها القادمة. الأم الطيبة انتفضت بعد طول صبر وانتظار وهي ترى جروحها تزداد نزيفا يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وسنة بعد سنة،كانت أمام العالم أجمع تنزف ولا يراها، فقد أدار لها ظهره وأغلق في وجهها كل الأبواب .وهاهي الأم الحزينة تصرخ عاليا، صرخة أسمعت الطير والحجر ومن به صمم.. وبعدما كان العالم أعمى ، تفتّحت كل عيونه المغمضة .وأدرك أن مايزرع التفرقة والاستغلال والفتن هو الظلم اذا تطهّر منه أصبح الجميع متساوون في الحقوق والواجبات . صفعته حقيقة أن القيم المجتمعية مشتركة مع البشرية جمعاء، هكذا يجب أن تكون .
وأن مركز الكون إنسان بعقل حاضن لقلبه تحرر من نرجسيات وانتصارات زائفة سطّرها بغرور عبر تاريخه الدامي الحافل بوهم المكاسب والنفوذ والسلطة والتحكم في مصير الأمم .
أيّ صرخة هده التي ارتجت لها كل الأمكنة وتهاوت وأعادتنا إلى زمن المعجزات ؟ انها صرخة الحق والحرية والكرامة والعزّة..
نضال الأحرار من أجل الحقّ مقدّس ، نضال ضدّ غباء التكبّر والتعصّب الديني والسياسي والعرقي والقومي ، إنسانية الأحرار تكمن في إحساسهم بآلام الآخرين وفي كسر قيود القمع والتضليل الذي يهضم كل الحدود والحقوق .
صرخة أمنا الطيبة دقت عميقا وبقوة على الضمير الانساني والسياسي .…فهل يضمد جراحها مكفّرا عن غفوته ؟،،
مرضنا واحد و أعراضه واحدة ،ضيق التنفس وانقباض القلب وتشنّج الأطراف .متلازمة غزّة وجنين والضفة والقدس ، ولحظات انتظار رًهيبة، انتظار وقف العدوان الغاشم،وقف الإبادة والتطهير والتهجير والتجويع ،انتشال الجرحى من تحت الركام ،وتكريم الشهداء الأحياء منهم والأموات ...
واهم من يظن أن للشرّ أجنحة وأن الملائكة تموت..
واهم من يظن أن الحق والحرية يوءدان..
الأرض الطيبة خصبة، وافرة الثمار والعطاء روت من فيضها ضمائر الأحرار حول العالم فأزهرت ..
فلسطين الأبية العصيّة ، موطن العنقاء ..
"على هذه الأرض سيدة الأرض، أم البدايات أم النهايات
كانت تسمى فلسطين صارت تسمى فلسطين .سيدتي أستحق لأنك سيدتي أستحق الحياة "