المرأة الموريتانية، الأُم الحبيبة والأخت الغالية والزوجة الوَفِيَّة والابنة البارة، ربما نود لو اِسْتَكْشَفْنَا عَالَمَهَا الخاص من حيث الخصائص المركبة والأرقام المرتبطة بها، خصوصا تلك التي تُحَّرِينَا الدقة عن وضعيتها الصحية، بلا نرتضي لأنفسها إجابات وافية عن مَدَى ولوجها للتعليم وفضاء المال والأعمال والتهديدات التي تواجهها، وعن طبيعة علاقتها بالرجل وواقع الزواج والخصوبة والانجاب والمتوسط العمر الطويل بإذن الله.
لحُسن حظنا فإنَّ أدق الإجابات بالأرقام تُقدمها لنا دراسة إحصائية ديمغرافية هامة تم تنفيذها من قبل المكتب الوطني للإحصاء بالشراكة مع وزارة الصحة الموريتانية والبرنامج الديمغرافي للصحة والنجاة الأمريكي لعامي 2019-2021.
أول ما تَسْتَهِلُّهُ هذه الدراسة من إجابات، هو تعريفنا بشَبَابِيَةِ المرأة الموريتانية، فهي في مقتبل العمر عموما: 57% من الفتيات الموريتانيات هن دون سن الثلاثين من العمر. وأما عن تَمَدْرُسِهِنَ ف9% ليس لديهن مستوى قبل مدرسي، 23% لديهن المستوى المحظري أو مستويات متباينة من حفظ القرآن، 8% أكملن الابتدائية، 4% أكملن حتى الباكالوريا، 2% فقط يصلن للتعليم العالي مقابل 5% من الرجال. وتصل نسبة التمدرس للفتيات عموما ل14% في الحضر مقابل 5% في الأرياف.
واللطيف أنَّ أقل من 2% لفئة 15-49 سنة يُدَّخِنَّ، 96% يثقبن آذانهن، وتصل نسبة الختان 64% عموما (تصل في الأرياف لنسبة 77% وفي الحضر لأقل من 51%)، 58% منهن تم ختانهن قبل سن الخامسة.
أكثر من 24% من الفتيات المتزوجات يَعْمَلْنَ بانتظام، 65% منهن يتصرفن بشكل حر في رواتبهن الشهرية بعيدا عن تدخلات الزوج، و27% من الفتيات المتزوجات يبررن حق الزوج في معاقبة الزوجة بالضرب!
والمُؤسف أنَّ ما يربو على 10% من فتياتنا للفئة العمرية 15-49 سنة تعرضن بالفعل للعنف الجسدي منذ سن الخامسة عشر، و6% تعرضت لأبعد من ذلك وصل للعنف الجنسي.
الزواج: مَتى تتزوج سَنَاءْ؟
سَنَاء، أُختنا البكر الجميلة والتي هي ضمن الفئة العمرية 20-49 سنة، ستتزوج لأول مرة على الأرجح في سن التاسع عشر، ولو افترضنا أن سناء أكبر من ذلك بقليل وضمن فئة ال25-49 سنة، فالأرقام تشير إلى أنها ستمارس علاقتها الجنسية الأولى عند سن الخامسة عشر.
وعموما، 63% من فتياتنا لفئة 15-49 سنة هن متزوجات بالفعل، 8% منهن على الأقل مع شريك متزوج. 37% فقط من فتياتنا لفئة 20-24 سنة هن عزباوات مقابل 90% من الرجال لنفس فئة العمر!
ومن المهم التذكير بأنَّ معدل القبول بالتعدد لدى سناء- والمرأة الموريتانية عموما بالطبع- بالتَّقَالِّ مع زيادة المستوى التعليمي لديها، فهو يصل لمعدل 20% لدى سَنَاءْ التي لا تمتلِك أي مستوى تعليمي، ثم ل5% لدى سناء ذات المستوى الأساسي، ثم أقل من 1% لدى سناء ذات المستوى العالي من التعليم. ويصل مستوى زيجات التعدد إلى 24% في منطقة الضفة في الجنوب.
وَحَتَّى لا نَظْلِمَ سَنَاء في شخصِيتها وفرض حريتها الذاتية واختياراتها، علينا الاعتراف بما تؤكده الأرقام من أَنَّ سَنَاءْ هي من تختار زوجها بنفسها في الأغلب، لا ضغوطات الأهل!، في الحقيقة 68% من فتياتنا المتزوجات ساهمن مباشرة في اختيار أزواجهن بِرِضًا ( 22% في نواكشوط والمدن الحضرية قُلْنَ بأنهن اخترن شريك حياتهِنَ بأنفسهن مقابل 7% في الأرياف) أو عن تَرْضِيَّة مُريحة، بينما 8% فقط هن من فُرِضَ عليهن الشريك من قبل أهلنهن أساسا أو من قبل الزوج أو أهله( زواج الأقارب 4%).
ولعل المفارقة الثقافية تكمن في أن نسبة الفتيات اللاتي تزوجن أكثر من مرة تزداد في المناطق الحضري حيث تصل لنسبة 25% في نواكشوط لوحدها مقابل 13% في المناطق الريفية وثم تزداد بزيادة معدل الرفاه الاقتصادي، حيث تصل لنسبة 23% لدى الفتيات اللاتي يعشن في مستوى معيشة مريح مقابل 13% لدى الفتيات اللاتي يعشن في مستوى أدنى من الرفاه المعيشي.
تصل نسبة زيجات الأقارب إلى 43% من معدل الزيجات عموما لدى فتياتنا (27% قرابة من الأب و15% قرابة من الأم).
واللافت أن نسبة زواج الأقارب يبدو وكأنها تقل مع ارتفاع معدل الرفاه المعيشي لدى بناتنا، حيث تصل نسبة الفتيات المتزوجات من أزواج لا تربطهم صلة قرابة قريبة إلى 34% لدى الفتيات ذات مستوى الرفاه المعيشي العالي مقابل 18% لدى الفتيات ذات مستوى الرفاه المعيشي الأدنى، واللافت أيضا أن سكان ولايات الشمال: داخلة نواذيبو واينشيري وتيرس زمور هم الولايات الأقل احتضان لزيجات الأقارب.
الخصوبة: كم ستنجبُ لَكَ أَسْمَاء؟
نَعْرِفُ في المجمل أن معدل الانجاب للمرأة الموريتانية هو 5,2 طفل لكل امرأة، لكن هذا مع تباين ملحوظ بحسب المتغيرات، فإذا كانت أسماء التي تزوجتها للتو تستوطن الأرياف فيصل معدل إنجابها ل6,4 طفل، في مقابل 4,1 طفل فقط إذا كانت تستوطن الحَضَر في الغالب، وثُمَ نعم، كما تُخَمِنُ أنتَ الآن تَمَامًا، وكما هي حقيقة مشهودة لدى مجتمعنا، فمعدل الانجاب لدى أسماء يزداد مع قلة المستوى التعليمي، فأسماء التي ليس لديها أي مستوى تعليمي إطلاقا يصل معدل إنجابها إلى 6,6 طفل، مقابل 5,7 طفل لأسماء التي تمتلك المستوى التعليمي الأساسي، فيما لن تنجب لك أسماء المتعلمة التي بلغ مستوى تحصيلها الأكاديمي التعليم العالي أكثر من 2,5 طفل في الأكثر!. كما يزداد معدل إنجاب أسماء ذات المستوى المعيشي البسيط إلى 7,6 طفل مقابل 3,5 طفل فقط لدى أسماء ذاك المستوى المعيشي والرفاه الاقتصادي السامي. وستنتظر أسماء بنت الأرياف ثلاثون شهرا فقط لتنجب لك الابن الثاني، فيما ستنتظر أسماء بنت الحضر أكثر من 36 شهرا، وستنتظر أسماء ذات الرفاه المعيشي البسيط 28 شهرا فقط لتنجب من جديد فيما ستنتظر أسماء ذات العيش الرغيد أكثر من 36 شهرا لتنجب ابنها الثاني، وثم تقل فترة تباعد الولادات كل ما كانت أسماء ذات مستوى تعليمي أقل، والعكس صحيح، وترتفع نسبة نجاة ذريتك من الوفاة في الحياة الجنينية أو الطفولة المبكرة كل ما كان معدل تباعد الولادات لدى أسماء أكبر، فهناك خطر الوفاة لابنك وهو جنين أو وليد بنسبة 6,8% إذا كان يبعد أقل من سنتين عن سابقه وينخفض معدل الخطر إلى 2,9% إذا بعد أكثر من 4 سنوات.
أَمَّا 18% من فتياتنا فهن بالأحرى "أسماء القاصر" التي تبلغ من العمر أقل من 15 سنة، 16% منهن لديهن طفل على الأقل و2% في طور الحمل بالطفل الأول، وتزداد نسبة حمل أسماء وهي قاصر في المناطق الريفية (25%) وتقل في المناطق الحضرية(10%).
متوسط العمر: لماذا قد تموت رَقِيَّة فِي الأربعين؟
حوالي 2,5% من فتياتنا هن عرضة لخطر الوفاة بأسباب تتعلق بالصحة الانجابية والأمومة، 454 أُمًّا تموت بسبب الحمل لكل مائة ألف حالة انجاب سليم بعد الحمل، وهذا ما يرفع معدل خطر الوفاة لدى رَقِّيَة قُبَيْلَ سن الخامس والعشرين( من بعد أن كان منخفض جدا إبان فترة المراهقة والبلوغ) ل1,9 لكل 1000 امرأة مقابل معدل الوفاة لدَى حَسَن، ويظل هذا المعدل مرتفعا لدى رَقِّيَّة طَفِيفَا عن مُعَدَّلِهِ لَدَى حَسَنْ حَتَّى سن ال39، فيبدأ معدل خطر الوفاة لدى رقية يرتفع إلى مستوى قياسي للغاية يصل لست وفيات لكل ألف اِمرأة مقابل أربع وفيات لكل ألف رجل ما بين سن التاسع والثلاثين والأربعة والأربعين، فخلال هذه السنين الخمس يكون معدل خطر الوفاة لدى المرأة متقدم بالضعف عن معدله لدى الرجل، قبل أن يبدأ في الانخفاض لديها إلى مستوى قياسي مُقَابِلْ، فيما يبقى في ارتفاع طفيف لدى الرجل بِدْءً من سن الخامس والأربعين، وهذا يعني أنَّ الكثير من رَقِّيَّاتِنَا يُغَادِرْنَ هذه الحياة- للأسف- ما بين ال39 والأربع والأربعين من العمر ولأسباب أعقد من تلك التي لدى الرجال، يكون من بينها عادة خلل في صحة الانجاب أو الحمل، وثم ينخفض معدل الوفاة لدى المرأة الموريتانية من بعد فترة انقطاع الطمث بمعدل ملحوظ، من ما يؤكد صحة أن تلك الأسباب هي من بين الأسباب الأهم التي تجعلنا نفقد رَقِّيَّة في الأربعين من عمرها الزاهر.
وفي الختام، تبقى المرأة الموريتانية ابنة الأرض العَصِّيَّة على كل الأرقام، ولا يمكن للأرقام أن تحيط بكل مزاياها ولن تقدر، فهل تُجِيدُ أن تقدم لنا هذه الأرقام تصور معين عن مَدًى للذكاء المتنامي للمرأة الموريتانية التي أثبتت درجة عالية منه وإقدامًا استثنائيا في التحقيق والانجاز لمجرد أن تَخَلَّقَتْ الظروف المواتية لاستثمار إبداعاتها؟.
……………….
محمد عبداوه
المصدر: تقرير المكتب الاحصائي الموريتاني 2019-2021