ليس هناك رجل خلدته الذاكرة الجمعية في الغرب الصحراوي باعتباره أحكم الحكماء، وأذكى الأذكياء، كما خلدت ديلول التباري ذلك لأنه لم يكن يعرف إلا الإبل ورعايتها، ولكن تجربته عمت على جميع صنوف الحياة. هو رجل من أواخر القرن الثامن عشر وصدر التاسع عشر الميلادي، حيث تروي الروايات المتواترة أن أعمر ولد المختار ولد الشرقي ولد اغلي شنظوره ولد هدي ولد أحمد بن دمان.. وهو والد محمد الحبيب لما آلت إليه الإمارة دعاه ليشير عليه. وكان ديلول حينها رجلا مشهورا بالحكمة بين عامة الناس، وأعمر ولد المختار حكم ما بين 1800 و 1829م.
ثمة خلاف في مكان دفنه، فقيل إنه دفن في "تيدومة أمدر" بمنطقة "أكان"، وقيل إنه دفن في "الطويلة" شمال نواكشوط.
مما يحكى من تراثه المعبر أنه أراد أن يختبر عقول أبنائه الثلاثة، فثبت وتدا عندما جن الليل في طريق مراخ أبله ودعا أكبر أبنائه ليحلب معه الإبل، وفي طريق ذهابه وعودته كان الابن يمر بالوتد فينكبه فيتعثر به، فإن عاد يحمل اللبن تعثر به ثانية، ولم يزل كذلك.
وفي الليلة الثانية دعا ابنه الأوسط إلى مناخ الإبل ليحلبها معه، فتعثر أول مرة بالوتد ذاته، لكنه تجنبه في المرات اللاحقة.
وفي الليلة الثالثة دعا ابنه الأصغر ليحلب معه الإبل، فلما نكبه الوتد رجع إليه واستله ورماه بعيدا، وسلك طريقه آمنا من العثرات.
في الصباح دعا ديلول أبناءه الثلاثة وقال لهم:
أنت يا أكبر أولادي لا يرجى منك خير لك ولا لغيرك وستكون حياتك صعبة.
وأما أنت يا ولدي الأوسط، فلا بأس بك لأنك تتجنب المخاطر إن واجهتها، لكن فضلك لنفسك وحدها، وتستطيع أن تحيا لنفسك
أما أنت يا ولدي الأصغر فأنت رجل العائلة لأن نفعك عميم، لنفسك ولغيرك.
لا أعرف هل الحكاية سابقة أولاحقة على حكيم الصحراء أم هي له أصالة، لكنني أرى أبناءه الثلاثة في الحياة، بفارق واحد، وهو غياب تقويم ديلول لتصرفاتهم.
ولا يقتصر وجود الإخوة الثلاثة على مجتمعنا، بل يتعدانا إلى إخوتنا العرب.. لكن ما أكثر أمثال ابن ديلول الأكبر في صفوفهم.
إن الضغط على قنينة الغاز الكبيرة قد بلغ أوجه مرة أخرى ولم يعد فيها منزع، وهي إما أن تنفس إلى الخارج فتسلم منها المدائن، وإما أن ترتد إلى الداخل فتصيب الجميع في الصميم..