(اتفاق العلماء الأعلامْ على جواز رؤية الملائكة الكرامْ ) لشيخنا العلامة الشيخ الفخامة ولد الشيخ سيديا حفظه الله تعـٰلى ورعاه

اثنين, 16/10/2023 - 10:41

بسم الله الرحمن الرحيمْ وصلى الله على نبيه الكريمْ وعلى آله وصحبه أهل الفضائل والتكريمْ ومن تبعهم على دينهم القويمْ 

أتاني من عندك سؤال أيها المريد الذائقْ والحب الفائقْ والخليل الرائقْ تسألني هل تجوز رؤية الملائكة في الدنيا لغير الأنبياء وهل من صدق ذلك يعد صدق باطلا أم هو أمر يجوز وقوعه.
 هذا هو لفظ سُؤالـكْ ومحتوى خطابكْ فأقول وبالله التوفيقْ  والهداية إلى سلُوك أحسن طريقْ هذا أمر لا خلاف بين العلماء في جوازه، إذا كان الملك على غير صورته، فالمَلَكُ إذا تشكل على صورة آدمي أو غيره جازت رؤيته وهذا متفق عليه بين العلماء قديما وحديثا، وثمرة بحثه في هذا الزمان  تنزيه صالح أو عالم أو أحد من فضلاء الأمة ادعى أنه لقي ملكا  على غير صورته، لئلا نقع في عرضه بسبب أمر متفق بين علماء الشريعة على جواز وقوعه، فيُصيبنا من ذلك مايصيب من وقع في أعراض العلماء والصلحاء،أعاذنا الله تعـٰلى من ذلكْ، وجنبنا سبل الزلات والمهالكْ. .
ومن المعلوم بالضرورة أن هذا اللقاء لا علاقة له بالوحي، لأن الوحي قد انقطع من السماء ولأن الله تعـٰلى أكمل الدين  والنبوة والرسالة بسيدنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم. 
فمن ادعى الوحي أو الرسالة أو تكملةً للدين أو نقصا فيه، فهو كافر حلال المال والدم بإجماع المسلمين.
والآن حان الشروع في جواب السؤالْ، وعلى الله وحده الاعتماد والاتكالْ.
في صحيح مسلم من حديث عمر رضي الله عنه وهو الحديث الصحيح الذي هو من أصول الدين وأركانه، وفيه أن الصحابة المجتمعين حول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت رأوا جبريل على صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لايرى عليه أثر السفر ولا يعرفه  منهم أحد، وخاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى اللقاء بينه وبين الرجل بقوله: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.
وروى هذا الحديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه مختصرا، وفي آخره ثم أدبر (أي السائل) فقال ردوهُ فلم يروا شيئا فقال: هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم. 
وروى البخاري في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد ومعه رجلان يقاتلان عنه عليهما ثياب بيضٌ كأشد القتال ما رأيتهما قبلُ ولا بعدُ.
ورواه مسلم في صحيحه ولفظه رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحُدٍ رجلين عليهما ثياب بيض ما رأيتهما قبلُ ولا بعدُ يعني جبريل وميكائل عليهما السلام
قال النووي في شرحه صحيحَ مسلم عند هذا الحديث، 
 فيه بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم،
وفيه فضيلة الثياب البيض، وأن رؤية الملائكة لاتختص بالأنبياء بل يراهم الصحابة والأولياء، وفيه منقبة لسعد بن أبي وقاص الذي رأى الملائكة والله أعلم انتهى منه بلفظه.
وروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أسيد بن حُضير رضي الله عنه بينما هو ليلة يقرأ في مِربده إذ جالت فرسه فقرأ ثم جالت أخرى فقرأ ثم جالت أيضا قال أُسيدٌ فخشيتُ أن تطأ يحيى (أي ابنَهُ) فقمت إليها، فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال السرُج (أي المصابيح) عرجت في الجو حتى ما أراها قال فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يارسول الله بينما أنا البارحة من جوف اليل أقرأ في مِربدي إذ جالت فرسي فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ ابنَ حضير، قال فقرأت ثم جالت أيضا فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ ابن حضير قال فقرأت ثم جالت أيضا فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ ابن حضير قال فانصرفت وكان يحيى قريبا منها خشيتُ أن تطأه فرأيت مثل الظُّلَّةِ فِيهَا أمثَال السُّرُجِ عرَجت في الجو حتى ما أراها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الملائكة كانت تستمع لك ولو قرأتَ لأصبحتْ يراها الناس ما تستتر منهم.
وقوله صلى الله عليه وسلم اقرأ ابن حضير ثلاث مرات، أي داوم على القراءة التي تسببت في نزول الملائكة وكذلك يطمئنه صلى الله عليه وسلم على فزعه، ويعلمه بعلو مرتبته بهذا النداء العظيم المتوالي.
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال رأيت جبريل مرتين.
قال ابن دقيق العيد ثبت عنه أي ابن عباس أنه رأى جبريل مرتين ورواه الحاكم في المستدرك وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه الجزء 4 صفحة 692 ولفظه 
أخبرنا أبو عبد الله الصفار حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا عاصم بن علي حدثتنا زينب بنت سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس حدثني أبي قال سمعت أبي يقول: بعث العباس ابنه عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنام وراءه،وعند النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: متى جئت ياحبيبي، فقال منذ ساعة، قال هل رأيت عندي أحدا، قال نعم رأيت رجلا، قال ذاك جبريل عليه السلام ولم يره خلقٌ إلا عمي إلا أن يكون نبيا ولكن أن يجعل ذلك في آخر عمرك، ثم قال: اللهم علمه التأويل وفقهه في الدين واجعله من أهل الإيمان انتهى. 
قلت أي كاتب الجواب  قول النبي صلى الله عليه وسلم لم يره خلق إلا عمي إلا أن يكون نبيا، يُحمل على أنه وإن كان رآه رجلا لكن على غير الحالة التي رآه عليها غيره من الصحابة في صورة رجل، فإن الذين رأوه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وإن كنا لم تبلغنا أسماء كلهم فقد بلغتنا أسماء بعضهم كعمر وأبي هريرة الذين رويا الحديث ولم يصبهما العمى، كما رآه أفراد متفرقون على صورة دحية ولم يصبهم العمى أيضا. انتهى 
قال ابن حجر في كتابه الإصابةْ في تمييز الصحابةْ في حرف الدال بعدها الحاء لأنه رتب الصحابة على حروف المعجم مراعيا فاءَ الكلمة وعينَها ولامها من اسم الصحابي، دحيةُ بن خليفة بن قُريظة بن فضالة بن زيد بن امرِئِ القيس بن الخزرج بفتح المعجمة وسكون الزاي ثم جيم، ابن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف الكلبي صحابي مشهور أول مشاهده الخندق وقيل أحد، ولم يشهد بدرا، وكان يضرب به المثل في حسن الصورة وكان جبريل عليه السلام ينزل على صورته ،جاء ذلك من حديث أم سلمة ومن حديث عائشة، روى النسائي بإسناد صحيح عن يحيى بن معمر عن ابن عمر رضي الله عنهما كان جبرائيل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي، وروى الطبراني من حديث عفير بن معدان عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان جبرائيل يأتيني على صورة دحية الكلبي. 
وكان دحية رجلا جميلا انتهى منه بلفظه.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم  أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله له على مَدْرجَتهِ ملَكا فلما أتى عليه قال أين تريد قال أريد أخا لي في هذه القرية قال هل لك عليه من نعمة ترُبُّهَا قال لا غير أني أحببته في الله عز وجل، قال فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه.
قال النووي في شرحه صحيحَ مسلم، في هذا الحديث فضل المحبة في الله تعـٰلى وأنها سببٌ لحبِّ الله تَعـٰلى العَبْدَ، وفيه فضيلة زيارة الصالحين والأصحاب، وفيه أن الآدميين قد يرون الملائكة، انتهى منه بلفظه.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه قال: إن ثلاثة من بني إسراءيل أبرص وأقرع وأعمى فأراد الله أن يبتليهم الحديث، وهو حديث طويل وفي آخره أن الأعمى قال له قد كنت أعمى فرد الله بصري وفقيرا فقد أغناني فخذ ماشئت فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله فقال: أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك.
قال ابن حجر في فتح الباري ضِمن شرحه لهذا الحديث قال الكَِرْماني ما مُحَصَّلُهُ كان مزاج الأعمى أصحَّ من مزاج رفيقيه لأن البرص مرض يحصل من فساد المزاج وخلَلِ الطبيعة، وكذلك القرَع، بخلاف العمى فإنه لا يستلزم ذلك بل قد يكون من أمر خارج، فلهذا حسنت طباع الأعمى وساءت طباع الآخَرَيْن. 
وفي الحديث جواز ذكرِ ما اتفقَ لمن مضى ليتعظَ به من سمعهُ، ولا يكون ذلك غيبةً فيهم ولعل هذا هو السرُّ في ترك تسميتهمْ ولم يُفصِح بما اتفق لهم بعد ذلك، والذي يظهر أن الأمر فيهم وقع كما قال الملَك، وفيه التحذير من كفران النعم والترغيب في شكرها والاعترافُ بها وحمد الله عليها، وفيه فضل الصدقة والحثُّ على الرفق بالضعفاء وإكرامِهم وتبليغهم مآربَهم، وفيه الزجر عن البخل لأنه حمَل صاحبه على الكذب وعلى جحود نعمة الله تعـٰلى، انتهى منه بلفظه. 
الكَرماني الأصل فيها فتح الكاف ثم كثر استعمالها بالكسر تغييرا من العامة.
وفي صحيح مسلم عن مطرف قال قال لي عمران بن حصين قد كان يُسلَّمُ علي حتى اكتويتُ فتُرك ثم تركت الكي فعاد.
 وأخرجه أحمد في المسند الجزء 4 صفحة 427 وابن سعد في الطبقات الجزء 4 صفحة 290.
 ومن كلام عمران رضي الله عنه ما مسستُ ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الأثر رجاله ثقات، 
وهو في  المسند الجزء 4 صفحة 439 وطبقات ابن سعد الجزء 4 صفحة 287 وصححه الحاكم الجزء 3 صفحة 472 ووافقه الذهبي.
وأخرج مسلم عن مطرف أيضا قال بعث إلي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال إني محدثك: فإن عشتُ فاكتم عني وإن متُّ فحدث بها إن شئت، إنه قد سُلِّمَ علي.
قال النووي رحمه الله تعـٰلى: معنى الحديث الأول أن عمران بن حصين رضي الله عنه كانت به بواسير فكان يصبر على ألمها وكانت الملائكة تسلم عليه فاكتوى فانقطع سلامهم عليه ثم ترك الكي فعاد سلامهم عليه. انتهى منه بلفظه
وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن يحيى بن سعيد القطان قال ماقدم علينا البصرة من الصحابة أفضل من عمران بن حصين أتت عليه ثلاثون سنة تسلم عليه الملائكة من جوانب بيته.
وروى هشام عن محمد بن سيرين قال: ما قدم البصرة أحد يفضل على عمران بن حصين.
 أخرجه ابن سعد الجزء 4 صفحة 287 ورجاله ثقات، وأورده الهيثمي في المجمع جزء 9 صفحة 381 وقال رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
وأخرج أحمد في المسند الحديث رقم 24064 عن حذيفة بن اليمان أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له بينما أنا أصلى إذ سمعت متكلما يقول اللهم لك الحمد كلُّه ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره أهل أن تحمد إنك على كل شيء قدير اللهم اغفر لي جميع ما مضى من ذنوبي فيما بقي من عمري وارزقني عملا زاكيا ترضى به عني فقال النبي  صلى الله عليه وسلم: ذاك ملك أتاك يعلمك تحميد ربك. 
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما
 قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول اقدم حَيْزُوم، فنظرَ إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا فنظر إليه فإذا هو قد خُطِم أنفه وشُق وجهه كضربة السوط فاخضَرَّ ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة، رواه مسلم.
وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم، موكب جبريل حين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة.
(تنبيه مهم )
اعلم أن الملائكة بينهم ارتباط حسيٌ ومعنويٌ  مع بني آدم لحكمة من الله عز وجل فهو خالق النوعين وأدرى بحال كل منهما منذ بدء آدم عليه السلام إلى أن تنتهي الدنيا، وإليكم نماذج من ذلك. 
 روى الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر،وهم نفر من الملائكة جلوس،فاستمع مايحيونك فإنها تحيتك  وتحية ذريتك فذهب فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله قال فزادوه ورحمة الله.
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون  علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد .
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم مامنكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة.
وروى الطبراني في المعجم الكبير إن صاحب القلم ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ فإن ندم واستغفر الله منها ألغاها،وإلا كتبت واحدة.
إسناده حسن.
وروى الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحببهُ فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
 قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الملائكة تصلي على أحدكم مادام في مجلسه تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه مادام لم يحدث.
وفي صحيح مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك كلما دعا له بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بالمثل.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال:رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم وجلسوا يستمعون الذكر.
وفي سنن النسائي من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن جنازة سعد بن معاذ شهدها سبعون ألفا من الملائكة.
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
 قال: إن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ماتقدم من ذنبه.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه فإنما يناجي الله مادام في مصلاه ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها.
ومن ذلك أنهم يدعون لبني آدم ويدعون عليهم، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مامن يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا.
وكذلك يتسابقون للأعمال الصالحة من العباد، ففي صحيح البخاري عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال: كنا يوما نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده قال: رجل وراءه ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف قال من المتكلم: قال أنا قال لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها.
وكذلك يتأذون مما يتأذى منه بنو آدم.
روى الشيخان في صحيحيهما من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أكل الثوم والبصل والكُراثَ فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.
وكذلك يتدخلون في شأن الزوجين 
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح.
وكذلك يستحيون من بعض بني آدم روى مسلم في صحيحه  عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في عثمان رضي الله عنه ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة.
ويكتبون عليهم قال تعـٰلى (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) وقال تعـٰلى( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ)
قال الإمام ابن كثير عند قوله تعـلى (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ) يعني الملكين الذين يكتبان عمل الإنسان 
 (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ) قعيد أي مترصد
﴿مَا يَلْفِظُ﴾ أَيِ: ابْنُ آدَمَ ﴿مِنْ قَوْلٍ﴾ أَيْ: مَا يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ(٨) ﴿إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ أَيْ: إِلَّا وَلَهَا مَنْ يُرَاقِبُهَا مُعْتَدٍ(٩) لِذَلِكَ يَكْتُبُهَا، لَا يَتْرُكُ كَلِمَةً وَلَا حَرَكَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الِانْفِطَارِ: ١٠ -١٢] .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ يَكْتُبُ الْمَلَكُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ؟ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وقَتَادَةَ، أَوْ إِنَّمَا يَكْتُبُ مَا فِيهِ ثَوَابٌ وَعِقَابٌ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَلَى قَوْلَيْنِ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ الْأَوَّلُ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ اللَّيْثِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلْقَمَةَ، عَنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ(١٠) . وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، يَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا(١١) سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ". قَالَ: فَكَانَ عَلْقَمَةُ يَقُولُ: كَمْ مِنْ كَلَامٍ قَدْ مَنَعَنِيهِ حَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ.
و يتوفونهم قال تعـٰلى (قُلْ يَتَوَفّ۪يٰكُم مَّلَكُ اُ۬لْمَوْتِ اِ۬لذِے وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَۖ )
قال الإمام بن جرير الطبري في تفسيره عند هذه الآية يقول تعـٰلى  : قُلْ يَتَوَفّ۪يٰكُم مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)
يقول تعـٰلى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله: (يتوفيكم ملك الموت)، يقول: يستوفي عددكم بقبض أرواحكم ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم، ومنه قول الراجز:
إنَّ بَنــي الأدْرَمِ لَيْسُــوا مِـنْ أحَـدْ
وَلا تَوَفَّــاهُمْ قُــرَيْشٌ فِـي العَـدَدْ (7)
حثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة: (قُلْ يَتَوَفّ۪يٰكُم مَلَكُ المَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) قال: ملك الموت يتوفاكم، ومعه أعوان من الملائكة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (يَتَوَفّ۪يٰكُم مَلَكُ المَوْتِ) قال: حويت له الأرض فجُعلت له مثل الطست يتناول منها حيث يشاء.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهد، بنحوه.انتهى من الطبري بلفظه.
إلى غير ذلك من ارتباطهم ببني آدم الذي لم نذكر.
قلتُ: أي كاتب هذا الجواب ظهر من هذه الأحاديث السابقة أن الملائكة تأتي على صور شتى وأشكال مختلفة، فمرة تأتي  كالظلة فيها أمثال المصابيح كما وقع لأُسيد بن حُضير رضي الله عنه، ومرة تأتي على صورة الآدميين، كما وقع لجماعة الصحابة الجالسة مع النبي صلى الله عليه وسلم مجيء جبريل عليه السلام له، وكما وقع لسعد بن أبي وقاص يوم أحد، وغيرُ وغيرُ، ومرة تأتي في صورة لم تُذكرْ، كما وقع لصاحب المدرجَةَ التي أرصد الله عليها ملكا، فإن هذا الملك لم أعثر على الحالة التي لقي فيها هذا الرجل على الطريق، حسب المراجع التي تتبعتها،  والمجالُ ليس مجالَ قياس، وتارة تاتي في صورة مُشوَّهةٍ اختبارا، كما وقع في حديث الأبرص  وصاحبيه، وتارة تكلمهم وتبلغهم الرسائل كما في  حديث الزائر أخاه  في الله، وتارة تعلمهم بعض الفوائد، كما في حديث حذيفة بن اليمانِ، وتارة تاتيهم في موكبٍ كما في حديث أنس، إلى غير ذلك من الحالات التي أوردنا بالأدلة الصحيحة الصريحة.
ففي هذه الأدلة كلها ما يثبت رؤية الملائكة على غير صورتهم التي خلقوا عليها.
فإذا صادف  شخص رجلا أو رجالا أو ظلة أو موكبا ونحو ذلك وأخبروه أنهم ملائكة وصدقهم، فلا نبدعه ولا نضلله، ونكل أمر الجميع  إلى الله تبارك وتعـٰلى، لأن هذه الرؤية جائزة شرعا باتفاق العلماء.
وأما رؤيتهم على صورتهم التي خلقوا عليها فذاك من المستحيل بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
روى مسلم في صحيحه أن  عائشة رضي الله عنها سئلت عن قوله تعـٰلى (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ) فقالت: إنما ذلك جبريل عليه السلام كان يأتيه في صورة الرجال، وإنه أتاه في هذه المرة في صورته التي هي صورته فسد أفقَ السماء.
قال الطبري في تفسيره حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري قال حدثنا خالد بن عبد الله عن الشيباني عن زرٍّ عن ابن مسعود في قوله تعـٰلى (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) قال رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح في صورته.
حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا قبيص بن ليث الأسدي عن الشيباني، عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام له ستمائة جناح. انتهى من الطبري بلفظه.
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل له ستمائة جناح. 
وفي سنن أبي داوود بسند صحيح عن جابر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أُذنَ لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، إنما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام، يقول ذلك الملك: سبحانك حيث كنت.
وأما رؤية الصلحاء والعلماء لهم في كل قرن فهي أكثر من أن تحصى أو تستقصى، فكتب السير والرجال والتاريخ مليئة منها بأسانيدها إلى أصحابها، 
ثم ليكن في علم الجميع أنه كلما ازدادت عدالة العبد وثقته والشهادة له بالخير ازداد تعذر  الإنكار عليه، لأن الشريعة لها ميزان لا يُتخطى، جعله الله لها معيارا، ولكل فرع أصلهْ،ولكل فن أهلهْ، فلا يُقارِعُ العلماء إلا العلماءْ، ولا يفهم الأولياء إلا الأولياءْ، والحجة لاتقابل إلا بالحجة، والدليل لايرد إلا بالدليلْ،والله جل جلاله حسبنا ونعم الوكيلْ،ولاحول ولاقوة إلا بالله الحسيب الجليلْ، وهو مولانا ونعم الولي النصير، والمتعال العليم الخبير،
وكتب الشيخ سيدي محمد (الفخامة) ولد الشيخ سيدي كان الله تعـٰلى لهم ولمن والاهم الولي والنصير آمين 
الأحد 30 ربيع الأول 1445 هجريا 
الموافق 15 أكتوبر 2023 ميلاديا