ربما تقاطرت عليكم، فخامة رئيس الجمهورية، رسائل كثيرة من مختلف فئات المواطنين تنضح بالمعاناة والألم من واقع مزر مترد يعيشه بلدنا منذ عقود ظاهره الحرمان والفقر وباطنه غياب مفهوم الدولة رغم عمرها الذي يقارب الستين حولا؟!
لا يخالجني أدنى شك في أنكم مواطن يتطلع لبناء دولة قانون ومؤسسات تضع مصلحة المواطن وخدمته في مقدمة أولوياتها باعتبار ذلك هو مبرر انتخابكم وتقلدكم لأهم منصب في الجمهورية، ولأنكم من طينة خاصة، ولست مداحا ولا هجاء بطبعي، إلا أنني أجدكم كذلك ولا أزكي على الله أحدا
أود هنا، فخامة رئيس الجمهورية، أن أشاطركم بعض الهموم المشتركة لوطننا وشعبنا، ومن زاوية يرى منها مواطن بسيط لا يتطلع سوى لرؤية بلده في ظروف أفضل وهو “يمتلك” ثروات هائلة يجري استنزافها ونهبها منذ مدة دون أن تنعكس على واقعه المعيش ولا على بنيته التحية الصحية والتعليمية والخدماتية المختلفة، لذلك أرى من واجبي أن أتقاسم معكم بعض الخواطر حول همنا المشترك وهو بناء موريتانيا مختلفة تماما بعيدا عن الشعارات الممجوجة التي سئمها الجميع ولم تعد تغري أحدا.
فخامة الرئيس، إن العدل هو أساس الملك، كما في المأثور، لكنه عماد التنمية ودعامتها، تنمية الموارد البشرية وتنمية العقول وتنمية اقتصاد البلد ومقدراته، ولا يمكن لأية عملية تنموية من أي نوع أن تنطلق وتتجسد بعيدا عن العدل، لذلك فلا بد من استشعار الجميع من مختلف المستويات لنفحات العدل ونسائم المساواة حتى يتمكن أبناء بلدنا جميعا من الإسهام الفاعل والبناء في عملية التنمية المنشودة وبناء دولة القانون والمؤسسات التي نحلم بتجسيدها على أرض الواقع بعد أن عشنا حلمها لعقود.
وحين يتم تفعيل القوانين وتطبيقها على الجميع وبدون استثناء، وفي كافة المجالات، فإننا سننطلق نحو تنمية جادة ومسؤولة وبدعم من كافة أبناء الشعب لأنهم يتوقون إلى العدل والمساواة تماما كما يتطلعون إلى الاستفادة من خيرات وطنهم المنهوبة والتي لم تنعكس على واقعهم المعيش حتى اللحظة.
فخامة الرئيس، حصنوا حكمكم بالعدل وزينوه بالانحياز العملي للفقراء الذين هم غالبية شعبنا، وساعتها ستجدون أنكم لستم بحاجة إلى غيرهم لنصرتكم ودعمكم، فمن كان إلى جانب الشعب المغبون كان الشعب له ومعه، ولا يتأتى ذلك بغير العدل وتغيير وجوه النفاق من الحرس القديم التي تعاقبت على الحقب والأنظمة ودبجت المديح والثناء لكل قائد قبلكم مهما كان مستوى ظلمه وتجاوزاته بحق هذا الوطن، لكنهم لا ينتظرون سوى أن يأتي غيره ليكرروا ذات النهج ونفس الأسلوب حفاظا على امتيازاتهم الشخصية التي هي في الغالب متناقضة مع مصالح الوطن والمواطن.
وهكذا فإنه من دون تغيير الواجهة المتجددة مع كل الأنظمة والاعتماد على نخب وطنية نظيفة لم يسبق لها أن تدنست بنهب المال العام، وكل همها هو خدمة الوطن والمواطن وليس شخص الرئيس ولا المقربين منه، بدون ذلك فإننا سنبقى في ذات الدوامة وهو ما لا نرجوه لكم ولشعبنا الصبور.
إن محاربة الغبن والهشاشة والتهميش والحرمان تبدأ باستتباب العدل والمساواة وتفعيل دولة قانون ومؤسسات تحترم وتخدم كل مواطنيها على حد سواء وتنتقي “الرجل المناسب في المكان المناسب” حقيقة لا شعارا، وكلي ثقة في أنكم ستعمدون إلى تبني هذا النهج بكل وطنية ووفاء من اجل انتشال شعبنا من ألوان المعاناة التي تلازمه منذ ما بعد نشأة الدولة وحتى اليوم، وهو انتشال سيتم فقط باعتماد ما سلف من إجراءات ضرورية للبناء والتنمية الشاملة والمساواة في الفرص والإقلاع بموريتانيا مغايرة نحو آفاق أرحب تكون الأولوية فيها لمن يجدون المتعة في خدمة الشعب وإرضائه.
إن أغلب الذين دعموكم وأطلقوا مبادرات تأييد لكم قبل وخلال الانتخابات الرئاسية المنصرمة إنما يبادرون لحجز مقاعد لهم في الصفوف الأمامية لأهل الحظوة باعتباركم مرشحا للنظام وليس لأنكم تحملون مشروع مجتمع، فأغلب هؤلاء دعموكم، حتى قبل إعلان ونشر برنامجكم الانتخابي “تعهداتي”، حيث تعودوا قبلكم على أن يحافظوا على امتيازاتهم الشخصية مع كل نظام بالتقرب منه والتزلف له على حساب هذا الشعب الصبور.
فخامة الرئيس إنه من الضروري، كذلك، مراجعة اتفاقيات الاستثمار مع معظم الشركات الأجنبية المستثمرة في بلدنا، وفي مقدمتها بولي هوندونغ وتازيازت وام سي ام، لأن ذلك يبدو ضرورة ملحة ومستعجلة حتى نحافظ على ما تبقى من ثرواتنا ومقدراتنا من جهة ويستفيد بلدنا من تلك الثروات والمقدرات ما أمكنه ذلك. كما أنه لا يستقيم أن نواصل تطبيق مضمون ” عفا الله عما سلف” في ثروات هي ملك لأجيال متتالية لا يحق لأي شخص أن يتنازل فيها خصوصا إذا كانت التجاوزات جسيمة وبينة.
وفي سياق تخفيف معاناة شعبنا المتفاقمة فإنني أرى، كما يرى غيري من الخلصاء لهذا الشعب الكريم، أن تخفيض أسعار المواد الاستهلاكية وزيادة الأجور، عبر تطبيق قاعدة “أقل راتب يساوي 10% من أعلى راتب”، وتمكين المواطن من الولوج لمختلف الخدمات الأساسية وتفعيل القوانين وتطبيقها بشكل حازم وصارم على الجميع، وتقريب الإدارة من المواطن عمليا، ستمكننا من النهوض بهذا البلد وتحقيق حد أدنى من تطلعات مواطنينا المتواضعة في حياة أفضل وعيش كريم.
فخامة الرئيس، حين يصبح القانون هو الفيصل والعدل هو الأساس والدعامة، فإننا لن نخشى على مستقبل بلدنا وستجدون كم أن ثروات الوطن لم تكن توجه حيث يجب أن تكون، وكم كان شعبنا صبورا وثرواته تنهبها قلة من المقربين من دوائر السلطة دون أدنى مراعاة لحقوق المواطن ولا لمعاناته بكل تجلياتها.
فهل تتفقون معي في أولوية تغيير وإزاحة الحرس القديم والاعتماد عل نخب شابة نظيفة ومؤمنة بالوطن لتسهم في دعم جهودكم في سبيل النهوض بهذا الوطن الذي آن له أن يتنفس الصعداء ويواكب العالم من حوله في كافة المجالات، ويعيش مواطنوه حياة كريمة تليق بهم وتعوضهم عقود الحرمان والمعاناة؟
————-
ملاحظة: تم نشر هذا المقال في عدة مواقع إخبارية موريتانيا في 3 و 4 ديسمبر 2019 ، فهل تبقى من مأمورية الرئيس ما يكفي؟!.
الكاتب والإعلامي الكبير
أحمد ولد مولاي امحمد