من يتوقف برهة ليؤرخ لتاريخ العاصمة انواكشوط ،سيسبح في عوالم الذاكرة والأيام ليعود قليلا إلى الوراء ،وتحديدا في الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي. في روايته الشهيرة "الخبز الحافي " طاف بنا صديقنا محمد شكري الذي صادقناه عبر روايته المسلية ،في عوالم من هم على هامش الحياة والأزقة في حواري طنجة جميلة المحيا. ومحاولة للسير على منوال الروائي المبدع محمد شكري ،نحاول في رواية "شوارع انواكشوط الخلفية " قيد الطبع. نبش غبار مدينة ،كانت الحياة في مقاطعاتها الشهيرة "السبخة" و " الميناء " ووسط المدينة "كبتال" أكثر صخبا وزخما لسنوات عديدة. هناك كان مايكل جاكسون وموسيقى البوب تنتشي ،ويسير الشباب يومها على إثره ،بحثا عن فن يؤنس جموح الشباب وبواكيره الذي يضج بالطاقة والحيوية. المراكز الثقافية المصرية والسورية والليبية، كانت إشعاع آخر للمتعطشين للثقافة والأدب،دون أن ننسى مكتبة "أحمد" وسط البلد ،التي كانت تشابه مكتبة العم مدبولي من ناحية تزويد الشباب بالقصص والروايات وجديد أشرطة الموسيقى . تسير بنا الرواية لأزقة السياسة وبواكير الصراع الفكري والتيارات التي غازلت فكر الشباب بين المد القومي العروبي مع حزب الطليعة وتيار أخوك الحرطاني والتيار الإسلامي الذي بدأ ت إرهاصاته من نادي عائشة وحزب الأمة . كانت دور السينما من "السعادة" و"الفتح" تمثل رافد من روافد انواكشوط المدينة المنفتحة على الثقافة والتعاطي مع الآخر بنهم شديد . الميل للرواية الواقعية والتأصيلة مدرسة من المدارس الأدبية ،التي تؤرخ للحظة مع محاولة إحضار اللمسة الأدبية بقوالب بسيطة وقريبة من القارئ الباحث عن تواريخ وشهود. انواكشوط الثماننيات والتسعينيات ،لم تعرف التمايز بين ساكنتها ،ولم يكن مصطلح ماوراء مدريد قد تسلل للذاكرة الجمعوية،فهناك الجيرة والأبواب المفتوحة قبل أن تتسلل الجريمة وتستوحش العاصمة. إضراب الخبز الشهير في التسعينيات آخر إضراب شعبي ،ضد الغلاء ومشاكل الحياة،بعدها تعود أبناء العاصمة على الصمت والرضوخ لأي قرار ،ولم تعد المجابهة سوى بأشرعة الريح نحو الهجرة بحثا عن حياة كريمة مع قبضة من تراب وطن يعز عليهم فراقه .