تعد المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل من التحديات التي تواجه الدول في القرن الحادي والعشرين، فسعت العديد من الحكومات وبذلت جهودا كبيرة لإيجاد حلول لمساعدة خريجي الجامعات والكليات والمعاهد التقنية لقبولهم في سوق العمل. وتشير كل المعطيات إلى ضعف المواءمة بين نواتج التعليم وحاجة سوق العمل المحلي والعالمي ومتطلبات التنمية البشرية والاقتصادية في وطننا العربي والدول النامية بشكل عام والواقع الفلسطيني بشكل خاص، وهي أعمق وأشد أثرا مما هي في العديد من دول العالم خاصة الدول الصناعية، لعدم وجود تواصل وتفاعل وتكامل بين مؤسسات التعليم وسوق العمل، مما يستدعي إعادة تأهيل الطلبة المنتظمين والخريجين وتدريبهم باستمرار، والحاجة إلى تنظيم عملية الالتحاق بالتعليم العالي في ضوء الحاجة التنموية ومتطلبات سوق العمل وقدرات الطلبة واستعداداتهم وميولهم واتجاهاتهم.
في خضم التفضيل بين القطاعين العام والخاص لطالبي العمل ممن حصلوا على تحصيل دراسي –بمختلف المستويات- تبرز مشكلة عدم التوافق بين مخرجات التعليم بمختلف الاختصاصات ومتطلبات سوق العمل، ويقف خلف ذلك اسباب عدة، فالطلب الاجتماعي على التعليم والتدريب تمليه إلى حد كبير قيم المجتمع ومعتقداته، وضمن هذه القيم والمعتقدات-في العديد من البلدان النامية بما في ذلك موريتانيا -قد يكون هناك اعتقاد قوي في التسلسل الهرمي للوضع المهني، حيث يجب أن يصبح الشباب ذوو النتائج "الأفضل" يجب ان يكونوا اطباء، وأولئك الحاصلين على أفضل الدرجات التالية، على سبيل المثال، أن يصبحوا محامين أو مهندسين، يتم تعزيز ذلك من خلال نظام القبول بعد المرحلة الثانوية الذي يحد من الدخول في البرامج التي تؤدي إلى مثل هذه المهن، بهذه الطريقة، يتدرب العديد من الشباب على أعلى مهنة من حيث المكانة يمكنهم تلبية متطلبات الدخول، بدلاً من المهنة التي تناسبهم من حيث الشروط من أهليتهم أو المهنة التي يوجد طلب في سوق العمل عليها.
عامل آخر يحدد سلوك الالتحاق في موريتانيا والعديد من البلدان النامية الأخرى، هو الإرث التاريخي لتوظيف الخدمة العامة، والتي كانت دائمة ومعاش مع العديد من الفوائد، بعض المهن منخفضة جدًا في التسلسل الهرمي للوظائف، مثل خدمات الضيافة، والاعتقاد السائد ان العمل في القطاع الخاص غير جذاب، حيث يعتقد أن العمل في القطاع الخاص يقدم أجورًا أقل وأمنًا وظيفيًا أقل أو لا يوجد ضمان اجتماعي، القطاع الخاص صغير جدًا ومتخلف (معظمه غير رسمي)، ولذلك يقدم فرصاً أقل من القطاع العام.
ومن جانب اخر، ان نواتج الانظمة التعليمية لا تستجيب على النحو المناسب لطلب سوق العمل واصحاب المشروعات الصناعية لان نظام النظام التعليمي القائم لا يزود الطلاب بما يكفي من المهارات التي يتطلبها ارباب العمل –الخاص والعام على حدٍ سواء-اذ يتزايد الطلب على الايدي العاملة ذات المهارات العالية والقدرات الفنية بغض النظر عن تحصيلهم الدراسي، وهذا ما يجعل الطلب على الحاصلين على شهادات من الخريجين اقل، وبالتالي يكون بطالة الشباب الخريجين بنسب عالية،يبدو أن تصور الشركات لتعليم العمال يعد عدم توافق المهارات تحديًا أساسيًا في سوق العمل الموريتاني .
ان عدم التوافق بين متطلبات سوق العمل وحاملي الشهادات الجامعية الطالبين للعمل –او الحاصلين على تحصيل دراسي-ينشأ نتيجة الطبيعة الهيكلية لسوق العمل، اذ ان اغلب مشاريع القطاع الخاص تغلب عليها الصفة العائلية وبالتالي فهم يلجئون الى تعيين الاقارب والمقربون بغض النظر عن التحصيل الدراسي والعلمي ومدى مؤامة العمل للاختصاص،
في اغلب مفاصل العمل والانتاج.
فضلاً عن ذلك، فان اغلب الاختصاصات التي هي نتاج التعليم لا تتماشى ومتطلبات سوق العمل، اذ ان اغلب الاختصاصات الانسانية وبعض الاختصاصات التطبيقية ليس لها مجال ان تنخرط في سوق العمل، اذ ان هذه الاختصاصات تفتقر لمشاريع تأويها، بمعنى ان هذه الاختصاصات لا تجد لها فرص عمل في القطاع الخاص الذي عادة ما تكون نشاطاته بحاجة الى مهارات وخبرات في المجالات التي يخوضها، والتي عادة ما تكون نشاطات تبحث عن الربح السريع، كقطاع البناء والانشاءات والمقاولات والاستيراد والتصدير والسياحة.
والملاحظ ايضاً في نشاط القطاع الخاص انه لم يدخل في النشاط الصناعي المنتج للسلع الذي يتطلب تشغيل الايدي العاملة من مختلف الاختصاصات وانشاء المختبرات وباقي المفاصل المتعلقة بالصناعة، اضافة الى ذلك فان اغلب مشاريع القطاع الخاص التخصصية كقطاع التعليم والصحة والبناء والتشييد" على سبيل المثال لا الحصر" (المستشفيات والكليات والمدارس... الخ ) تقوم بتشغيل من هم يعملون في القطاع الحكومي بداعي الخبرة المتراكمة وهذا ما يقلل فرص الخريجين الجدد في العمل والانخراط في مجال اختصاصهم، يضاف الى ذلك غياب الضمان التقاعدي في القطاع الخاص وعدم اتباع نظام للرواتب واضح وثابت وموازي للقطاع العام جعل من جميع الخريجين وغير الخريجين لا يفكرون الا
بالتعيين الحكومي الضامن لذلك وكما اشرنا اليه سابقاً.
وفيما يلي ندرج بعض الخطوات التي من الممكن ان تحل هذه الإشكالية:
التدريب والتأهيل، اذ يعد تطبيق خطط التدريب والتدريب المهني للعمال، في محاولة لسد فجوة تدريب العمال في كل من قطاعي التصنيع والخدمات. يجب النظر في إمكانية استخدام نظام التدريب المهني اللائق حيث يحضر الموظفون دروسًا في مدرسة مهنية وفي نفس الوقت الحصول على تدريب أثناء العمل في مكان عمله، يمنح هذا المزيج من النظرية والإعداد الموظفين فرصة ليكونوا على أساس التكنولوجيا الحديثة.
تنفيذ برامج تعليمية عمالية في القطاع الخاص لتقليل البطالة وتقليل عدم تطابق المهارات وزيادة إنتاجية العمل وزيادة رأس المال البشري، يمكن أن يكون نهج التعلم المختلط ذا قيمة حيث يمكن تقديم جزء من البرنامج على مدى عدة أشهر والتي تشمل المشاركة الإلزامية في عدد من ورش عمل وعدد معين من أيام التدريب الأساسية وبعض الجلسات التعليمية، وهذا يعطي المرونة، بحيث يمكن لعدد أكبر من العمال المشاركة في برامج التعليم المقترحة.
تشجيع السياسات التي تهدف إلى تعزيز أنشطة التصدير للشركات كما تبين أن المصدرين هم أكثر عرضة للتغلب على لوائح العمل ومشكلة عدم تطابق المهارات، تشجيع الصادرات غير النفطية، محاولة لخلق مصادر أخرى للعمالة والدخل القومي..
تبني قانون قابل للتطبيق بمتابعة الجهات المختصة لوضع ضمان اجتماعي وتقاعدي وصحي للعاملين في القطاع الخاص اسوة بالقطاع العام، وسيشكل ذلك عامل اساسي لتوزيع العمال على انشطة القطاع الخاص بمختلف انشطته.
نشر الوعي والتثقيف على ان كل الاختصاصات والمهن لها اهميتها في الاقتصاد ونبذ التنظيم الهرمي للقبولات.
انشاء معاهد او مدارس للتدريب المهني بمختلف الاختصاصات لتنمية مهارات الخريجين وغير المتعلمين لسد الفجوة الحاصلة في عرض العمل والطلب على العمل المتخصص وبحسب حاجة السوق المحلي.
محمد طالب بوبكر