بسط المستعمر الفرنسي نفوذه علي موريتانيا، ولا وجود آن ذاك لتعليم إلا التعليم المحظري المقدس من طرف الموريتانين لايرون له نظيرا ولا يقبلون به بديلا.
الفرنسيون اول مايقومون به في مستعمراتهم تعليم الفرنسية، ونشر الثقافة الفرنسية وفي هذا يقول نابليون : " ان خدمة الوطن في تعليم الفرنسية و نشر الثقافة الفرنسية "
و دخوله مصر احضر معه الكثير من المستجدات الثقافية من الكتب و الفنون و المكتشافات ، وهو اول من ادخل مصر آلة الطباعة .
الإستعمار الثقافي او الإستنساخي يجلب فوائد كثيرة للمستعمِر و يلحق اضرارا جسيمة بالمستعمَر .
بدأ الفرنسيون عمليتهم في موريتانيا بفتح مدرسة باندر في سينغال لكن إقبال التلاميذ عليها كان ضعيفا جيدا ، وكلما ابتعدنا عن الضفة شمالا يضعف الإقبال و القلة المسجلة كثيرة التسرب.
كانت الوضعية تشكل قلقا كبيرا اللإدارة الفرنسية مماجعلها تبحث عن حلٍ للمشكل
فكتشفت ان الموريتانيين لن يقبلوا التعليم إلا في مدارس صحراوية تتقاطع برامجها مع برامج المحظرة، ولهذا قررت فتح مدارس في الوطن كان بتلميت اولها.
تم فتح مدرسة بتلميت في السنة الدراسية 1913-1914 عين لها مدير فرنسي هو جوزف روجي (joseph roger) قادما من غينيا كوناكري و المعلمين الأخوين الموريتانين إبني احمدُّ با وهما ببكر و محمدُ وهما مزدوجان مشهوران بجدارتهما العلمية و كفاءتهما المهنية .
اقترح الشيخ سيدي باب علي المدير زيادة حصة اللغة العربية و إضافة مادة التربية الإسلامية و بعد موافقته اقترح عليه إسناد المادتين اللسيد احمد ولد مختار فال و هو شخصية وازنة في المدينة فقيه و نحوي و شاعر مفلق فتمت إضافته إلي طاقم التدريس ، وكان لاقتراح باب تأثير إجابي لإقناع بعض العائلات بالمدرسة ، بيد أن الإقبال مازال خجولا فمجموع التلاميذ الوافدين من نواذيبو و البراكنة و اترارزة حوالي عشرة تلاميذ و من بين التلاميذ المسجلين من مدينة بتلميت -رحمهم الله-
احمد ولد محمد ولد الشيخ سيديا ( آل محمد )
محمد ولد الرجل ولد البشير
احمدُ ولد سيد محمد ولد الطالب ( بابا )
حمدُ ولد گليل العار
محمد بون ولد امحمد ولد سيد احمد( حبون)
وفي يوليو سنة 1914 بداية الحرب العالمية الأولي
التي أدت إلي توقف الدراسة إلي غاية 1918 وفي هذا الفراغ حول المدير جوزيف و حل محله آدريان لاروك(Adrian Laroch) محولا من تونس ويذكر من بعض التحديات التي واجهته رفض التلاميذ دراسة تاريخ افريقية الغربيه الفرنسية وكذالك ترديد الأناشيد، و طرح المشكلة علي الشيخ سيدي باب فنصحه بتدريس فصول من مراجع حددها له من بينها أبواب من مقدمة بن خلدون فقبلوها .
في نفس السنة 1918 رقّي لاروك بمسؤلية عسكرية و أسندت الإدارة لببكر با الموريتاني لمدة أربع سنوات مديرا بالنيابة.
في سنة 1922 حول ببكر با و حل محله الجزائري مكي الجنيدي بن احمد الذي مارس التعليم في افريقيا الغربية قبل تحويله لبتلميت و لقد ضخ ديماءا جديدة في المدرسة ، شعر بتعلق التلاميذ بالمخظرة فيقال إنه أدمج ديوان الشعراء الجاهلين الستة و قيل المعلقات فقط -والله أعلم - في برنامج الأدب .
وستجلب كثيرا من المطبوعات الجديدة العربية و الفرنسية بها أنشأ مكتبةً فيها مايناهز 900 كتاب وعوّد التلاميذ علي المطالعة و البحث .
وشكل لجنة لتقييم نتائج التلاميذ من بينها متعلمون من المدينة.
وفي فترة الجنيدي تم تعليق العمل في المدرسة و نقلها موقتا إلي المذرذرة.
قام الشيخ عبد الله ولد الشيخ سيدي بمجهودات كبيرة لعودة المدرسة ، وبعد عودتها ادرك ان من اسباب نقلها قلة تلاميذها فقام رغم قساوة الظروف المحلية و العالمية بجهود كبيرة لتسجيل اكبر كم في المدرسة ويبدو انه وضع برنامجا دقيقا و مدروسا مراحله ثلاث
* تمدرس الأولاد
* تمدرس البنات
* إنشاء المعهد
قام بتطببق القاعدة القائلة بالبدء بالأسهل او الأقل صعوبةً.
* تمدرس الأولاد : الذي فتحت امامه نافدة وهي اقتناع عدد قليل به و الأغلبية الساحقة تبتعد منه و تسعي في ابعاد الناس منه فستخدم رحمه الله علاقته الخاصه في تسجيل بعض الأبناء دون ان يشعر عائلاتهم اذكر منها حالتين : كنت في جماعة اذ دخل علينا احمد ولد الشيخ ولد جدُّ و في الجماعة سيد محمد ولد ودِّيه وبعد تبادل التحيات قال " آن و سيد محمد تخلن المدرسه في نهار واحد في مايو تمين ماشين إلين جبرن عبدالله في الشارع مشَّ بين حد شور المدرسه وسجلن و تجاوزن ذاك العام "
تابعا دراستهما فختار سيد محمد الصحه ولا احتاج ان اذكِّر البوتلميتيين بالخدمات التي قدم لهم أما احمد فختار الإدارة و كان من مؤسسي الدوله ثم سفيرا ولعب دورا كبيرا في بناء وطنه.
ثانيا دخول لمصطفي سدات المدرسة احدث شرخا في عائلته بين مؤيدٍ و معارضٍ يذكر ان جماعة من المعارضين جاءو اللشيخ عبد الله يطلبون منه التدخل لإخراج المصطفي من المدرسة فجاملهم و وعدهم بأنه سينظر في القضية ، اتصل سرا بمدير المدرسة -ولادري اي الرجلين - ببكر با او ببكر فال طلب منه تشديد الرقابة علي المصطفي و إخبار الحاكم في حالة خروجه او إخراجه ثم زار عبدالله بعد ذالك كيفه واتصل بالمدير فاخبره بفشل محولات كثيرة قيم بها لإخراجه
من بينها إغرائه بالمال و طمأنه عليه و شاد بذكائه و التزامه وتنبأ بأن له مستقبلا زاهرا .
تابع المصطفي إلي ان حصل علي الثنوية بامتياز في الرياضيات دخل بها كلية الطب تخرج طبيبا ممتازا وفي السبعينات حول إلي بتلميت ايام الجفاف و انتشار الوباء و بذل هو والمرحوم سيد محمد ولد ودّيه جهودا كبيرة انقذت كثيرا من الأرواح و خففت كثيرا من المعانات ثم كتشفته منظمة الصحة العالمية و كان في وجوده فيها خير كثير لموريتانيا
ثم أحيل إلي التقاعد وعنده الآن عيادة في نواكشوط همها الأكبر خدمة الفقراء و المساكين.
* تمدرس البنات : بعد عودة المدرسة إلي بتلميت عام 1929 عين الجزائري بوعلام ولد الرويس مديرا ثم حول عام 1938 اخلفه المصطفي بن موسي الجزئري الذي بقي مديرا في بتلميت إلي 1947 أخلفه فيها الفرنسي ريتشارد (Richard) وفي نفس السنة طلب الشيخ عبدالله من الإدارة الفرنسية فتح مدرسة اللبنات وهي الطامة الكبري فالمرأة من بيتها إلي قبرها ، والسيول العارمة من الآراء و الأحكام تحرم علي المرأة دخول المدرسة وتجرم مرتكبها وفيه رأي غريب هو ان المرأة يجب ان تبقي أمية لا تقرأ ولا تكتب لأن تعلمها قد يوصلها إلي تعلم سر الحرف وهي غير مؤتمنة عليه
بيد أن الشيخ عبد الله فقيه مثقف يقال
عنه انه يدرس مشارعه دارستةً معمقةً حاسبةً لكل احتمال حسابه ثم ينطلق إلي هدفه متوكلا علي الله .
صادقت الإدارة علي الطلب و ملحقاته و تم فتتاح المدرسة سنة 1947 و بها تم تكسير الجدار العازل المضروب حول البنات عينت لها مديرة معروفة بأخلاقها الحسنة وحترامها اللإسلام و المسلمين سيدة فين صاه (Madame vincent) كانت قبل في تونس، ثم كتتبت الإدارة سيدتين موريتانيتين لتعليم العربية و التربية الإسلامية و استشارتهما في العادات و الأخلاق الموريتانية، من بين السيدتين الحبيبه منت آگ المعروفة بعلمها وورعها.
جاءت النتائج مغايرة اللتصورات التي كانت لدي العائلات فإدارة المدرسة تراقب سلوك البنات الديني و الأخلاقي مراقبةً شديدةً.
أخبرتني المرحومة مريم منت سيد المختار ان المديرة كل مادخل وقت من أوقات الصلاة اخرجتهن لأدائها، وكان هتمامها الأكبر بالسلوك و الأخلاق الحميدة .
وظهر ذالك جليا في خريجات المدرسة اللائي كن علي مستوي عالٍ من العلم و الأخلاق والوطنية من ما مكنهن من المشاركة الفعالة في خدمة الشعب و بناء الدولة ونذكر منهنّ
مريم بنت سيد المختار معلمة ، نائب في البرلمان و عضو مؤسس في المجلس الأعلي اللنساء.
ميمونة بنت البخاري .
خديجة بنت حرمه .
حفصة بنت عبد الجليل .
هذه المجموعة لعبت دورا كبيرا في تعليم أبناء المدينة و تأسيس الأنشطة الوطنية .
ومن بين المقيمات بالخدمات الصحية في المدينة احسن قيامٍ
مريم بنت البخاري
ميمونة بنت مختارنا
بيدية بنت موسي بيدي.
وفي 1948 غادر ريتشارد و حل محله المرحوم سيدمحمد الدّين المعروف في المدينة بصفاته الحسنة ودينه المستقيم ومعرفته الواسعة مما أكسب المدرسة ثقة الآباء المطلقة بها ، وأخلفه حوالي 1956 الفرنسي جاك (Jacques) واحدث تحويل الدّين صدمة في نفوس الآباء وزادها وطأة عدم رغبتهم في خلفه الفرنسي الذي أحدث تعيينه فتورا في التمدرس وربما تسرب بعد التلاميذ وبعد سنتين رحل جاك وأخلفه محمد ولد سيدعالي في الإدارة حتي الإستقلال وبه عادت ثقة الآباء بالمدرسة رضي بها الجميع إلا بعض المزارعين و المنمين الذين لم يقنعهم إلا جفاف السبعينات .
* إنشاء المعهد : بعد أن اكمل عبدالله المرحلتين تمدرس البنين والبنات فكر في إنشاء معهد اللدراسات الإسلامية ، وعرض الفكرة علي الوالي العام بيير مسمير(Pierre Messmer) الذي سيكون فما بعد رئيس وزراء الحكومة الفرنسية فحبذ الفكرة و شجّعه علي القيام بها ، ورخص له المعهد مستقلا عن النظام التربوي الفرنسي و استقلاليته ضرورية لأداء رسالته .
وقام بتحضير كل مايلزم : اماكن ، هيأة التدريس ، طاقم الإدارة ، المراجع ، أدوات الطلاب . والتمويل من ماله الخاص .
- المرحلة الأولي :
الأماكن خيام و أكواخ مفروشة بالحصائر و منارة بالمصابيح الزيتية .
طاقم التدريس
أخضر كوكبة من العلماء الأجلاء وهم
- محمد عالي ولد عدُّود
- محمد يحي ولد محمد عالي ولد عدود
- اسحاق ولد محمد ولد الشيخ سيديا
- احمد ولد مولود ولد داده
- ادنمج ولد معاويه
- محمد ولد احمد ولد الشيخ سيديا
- عبدالله ولد عبدالرحمن
وبعد فترة يتم تحويل العلاّمة الجليل والمحدث الكبير محمد ابن ابي مدين والعلاّمة العظيم والباحث المشهور المختار ولد حامدن إلي المعهد .
الإدارة
- عبدالله ولد الشيخ سيديا رئيس مجلس الإدارة وممول و كل شيء
- اسحاق ولد محمد ولد الشيخ سيديا مدير مسير
- الماليه مسندة لسيد ولد باهين و احمد ولد المزوك
الإفتتاح
في بحر السنة الدراسية 1953-1954 حضرت الإدراة والأساتذة والطلاب حفلة الإفتتاح وزعت الأدوات علي الطلاب والمراجع و انطلقت الدراسة.
معاملة الطلاب
تقدم لهم الوجبات الثلاثة يوميا يسلم لكل طالب غطاء و مخدة و توزع عليهم الملابس ثلاث مرات في السنة و الصابون كل اسبوع واللمؤسسة عمال مكلفون بغسل ثياب الطلاب.
في هذه المرحلة كانت اكثر الطلاب من محاظر المقاطعة و العدد يتراوح بين الثلاثين و الأربعين
- المرحلة الثانية :
تبدأ بنتهاء مهمة الإعدادية المهنية (cour normal)التي يبدو ان وجودها بمجهودات من الشيخ عبد الله وفيها تأخذ الإعدادية ويكوَّّن معلمو الفرنسية وكانت تستقبل التلاميذ من جميع انحاء الوطن ومن خريجها الرئيس السابق معاوي ولد سيد احمد الطايع و وزير الخارجي السابق حمدي مكناش .
لقد خلفت هذه الإ عدادية بنية متكاملة سلمت بكاملها اللمعهد
واصبحت وضعيته مريحتا وبها شاع امره وتوافدت عليه الجماعات من كل حدب و صوب من الوطني و من غرب إفريقيا
واصبح عدده يقدر بأربع مئة طالب ظل في حراكٍ مستمرٍ وفود تغادر ناجحين في متحانات مكتتبين في أعمال ممنوحين في الخارج و وفود قادمة من محاظر متفرقة إلي سنة 1961 اصبح المعهد تابعا اللوزاة التهذيب الوطني و عينت له مديرا هو بشير العريبي و مساعدا هو الهادي وهما تونسيان
يستقبلهما الشيخ محمد عالي عدود بأبيات
جاء البشير و هاد المعهد الهادي
نعم البشير ونعم المسعد الهادي
......إلخ
يرد عليه البشير
قل الإبن عدود نبع الوارد الصادي
من حاضر يبتغ العرفان او بادي
......إلخ
كتبه اسماعيل ولد باهداه