و توشَّح أستاذي من دُرِّهَا بوشاح ! / احمد الطالب محمد

أحد, 26/02/2023 - 18:54

احمد الطالب محمد مقترح و منظر التعدين الأهلي في موريتانيا، الذي ينعم الآن الشعب فيما يدره من عائدات الذهب، بالإضافة إلي العديد من خدمة الوطن و قطاع المعادن في صمت و وقار من دون مكافئات و لا امتياز، و لا يشعر إلا بالقيام بالواجب، و قد انتقينا من صفحته علي الفيسبوك الغنية بالمعارف و المعلومات المتنوعة و المفيدة هذه القصة مع زميله الأستاذ شغالي، التي أعادت للبلد مليارات الأوقية في هدوء و سكينة راح قطعا اجرها ليوسف كمثيلاتها
هذا نص القصة:

ملصقات على الجدران ، موسيقيون يلهون بأصوات مبهجة و عابرون بعد يوم عمل ضانى يمشون بوتيرة مسرعة ، يتوسطهم رجلان يمشيان على خطى المارة و يسرعون دون سبب. 

ممرات قطارات الأنفاق تفرض حتى على رجال الصحراء أن يسايروا من يسيرون على إيقاع ثواني الساعة.

رغم ضجيج المترو و أصوات موسيقى تارة صاخبة على إيقاع "البوب" أو هادئة على نمط "آداجيو" للموسيقار "آلبينينو" أو "آليجرو" للعبقري "شومان" يتبادل صاحبانا نقاشا يدور بأكمله حول اليوم الموعود : يوم غد.

و أخيرا حان ذاك اليوم. يوم لا يختلف عن أيام شتاء باريس في أجواء احتفالات أعياد الميلاد.

بالطبع لم يكن الوقت وقت احتفال للثنائي الذي كان يستعد لمواجهة إحدى الشركات الكبرى العاملة في موريتانيا و المدعومة من أحد أكبر مكاتب المحامين في القارة العجوز في ملف تحكيم أمام الغرفة التجارية الدولية.

قبل سنة و ما يزيد على نصف السنة كانت الحكومة الموريتانية قد انتدبت مستشارين أحدهما هو بطل هذه القصة : الأستاذ و القاضي النزيه ، شغالي ولد محمد صالح و مرافقه أو بالأحرى، تلميذه كاتب هذه الحروف.

الساعة السابعة صباحا، حول فنجان قهوة كان الحديث يتواصل لكن هذه المرة حول طريقة عرض حججنا و تنظيم المرافعة التي ستبدأ الساعة التاسعة.

على بضع خطوات من فندق الإقامة عبرنا إلى المكان الذي سيعقد فيه اجتماع التحكيم. كانت الساعة تقترب من التاسعة، ربما دقيقتين أو ثلاث قبل الموعد، لكن إجراءات الولوج و أخذ بعض البيانات ثم توجيهنا إلى القاعة قد أخرتنا ما يقارب السبع دقائق.

دخل الثنائي تحت نظرات خبير التحكيم الذي سيقرر أي الطرفين محقا في دعواه. كانت نظراته بالكاد تخون ما يدور في ذاكرته. ربما كان يقول في خلده : في ملف مهم كهذا ليس إشارة جيدة أن تدخل القاعة و أنت متأخر بخمس دقائق عن موعد بهذه الأهمية، خصوصا إذا  كان كل ما يحمله الفريق من المستندات دفترين هزيلين !

في طرف الطاولة، كان الجانب الآخر يجلس به ستة أشخاص أغلبهم من ذوى تخصص القانون و كانت أكوام من الوثائق و المستندات تكاد تخفى وجوه محاورينا. أما نحن، فتكاد تكون الطاولة خاوية من الوثائق ما عدا بعض التقارير و دفترين بهما خلاصة المذكرات التي أعددناها خلال السنة و النصف التي انقضت.

بدأت المرافعة أمام الحكم الذي كانت جنسيته أوروبية. و شرع الطرف الآخر بتقديم حججه بإسهاب. دام ذلك ما يقارب الساعتين.

ثم جاء دورنا، و استهل المستشار القانوني بمقدمة في مجال القانون تخللتها أو بالأحرى عقبها طرح واضح لموقف موريتانيا من القضية و بعد أن أكمل مداخلته في جزءها القانوني أعطى المجال لمرافقه لضحد الحجج المقدمة و تقديم الطرح من وجهة نظر تقنية بالأدلة و الدعائم.
كان تقديم الأستاذ و المستشار شغالي واضحا يجعل كل ما سيأتي بعده سلسا و بسيطا.

بعد نصف ساعة من الحديث، طلب الجانب الآخر الإنسحاب للتشاور و كان ذلك أول الأدلة على تسجيل نقاط في الملف. استؤنفت الجلسة بعد ما يزيد قليلا على العشر دقائق و واصلنا الحديث بالتركيز حول نقاط ضعف الحجج المعارضة.

كان ذلك كفيلا برفع الجلسة لبرهة بعد أن طلب الخصم التشاور مرة أخرى.

لم يبرح صاحبانا المكان و لكن عندما رأى الحكم أن أولئك الغرباء الذين دخلا في الصباح القاعة و هم متأخرين بدقائق و لم يكونا مهتمين بما يجرى حولهم، نطق ببيت من الشعر العربي (اتحفظ على ذكره في هذا المقام) فنظرنا باستغراب لهذا الأوروبي الذي يردد أبيات للمتنبي و بلسان عربي فصيح.

سأله زميلي : هل تتكلمون العربية ؟
فأجابه، نعم، لقد درست بلبنان و أحببت الشعر العربي خاصة شعر المتنبي و زاد أبياتا من قصيدة المتنبي المعروفة و التي تبدأ ب (على قدر أهل العزم) و أنشد أبيات منها (لم يكن المقام مقامها) :
تُفيتُ اللّيالي كل شيء أخذته وهن لما يأخذن منك غوارم/ إذا كان ما تنويه فعلا مضارعا مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم.

رجعنا للفندق بعد يوم طويل و بعد أن سألت أستاذي لمذا حكى "القاضي" تلك الأبيات الأخيرة ؟ أجابني ربما لم يلجم نفسه عندما قال البيت الأول (الذي يتعجب من الطريقة التي آلت بها الأمور و تفوقنا على خصومنا رغم ميول الكفة) حيث غطى على تلك الزلة بأبيات لنفس الشاعر في موضوع آخر.

و في بداية فصل الربيع أي بعد شهرين أو ثلاث ، جاء تقرير الغرفة التجارية الدولية الذي أعطى لموريتانيا الحق كاملا في تلك القضية و ألزم الخصم بمبالغ مالية كانت ستذهب هباء.

كان الجميع ينتظر توشيح الفريق، خاصة رئيسه، المستشار القانوني بعد الجهد الكبير و بعد تأخر ذلك، إلا أنه حان اليوم و كم أنا سعيد بأن أرى زميلي و أستاذي و هو يوشح بكل استحقاق !!  

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid03hpkeoyW7FcSGbfTqfWXKb...