بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد رسول الله وعلى آله الطاهرين، وعلى صحبه الغر المحجلين..وعلى التابعين وعلى من والاهم باحسان الى يوم الدين وبعد،
اتقوا الله..
وابتغوا الجنة التي يتبين من اوصافها الجغرافية في كتاب الله انها ميسورة..
واحسنوا الظن بالله..
واعلموا ان الجنة هي الاصل، خلافا لما اراد فقهاء الاندحار تصويره، وتقديمه كمكان حصري، لا يلجه الا القلة من الناس... وكأنها صالون VIP لا يدخله الا من ارادوا هم ادخاله.
الجنة في حقيقتها واسعة، تستطيع ان تشتمل على كل الناس، وانظروا بعين العقل قول الحق عز وجل في سورة الحديد :
سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
ان عظمة فضله عز وجل تجعلنا نقول انها الاصل وان النار هي الاستثناء..
يا عباد الله..
تجنبوا النار بالطاعات.. وأن لمن اكبر الطاعات ، واجمل الطاعات ، اعمال العقل في امور الدين..
اعلموا حفظكم الله ان دعوة المصطفى اتت في زمن العقل..
اي بعد ان خرج الانسان كليا من هيمنة الخرافة وعوالم السحر..
واصبح بفضل الكشوفات الهندسية والجبرية قادرا على تطويع الكثير من شؤون الطبيعة أي اصبح جاهزا لتقبل خطاب العقل.. ولذلك لم تؤسس الدعوة المحمدية على المعجزات الحسية.. ولا على الخوارق المناقضة لقوانين الفيزيقاء..
وانما انبنت على الانسجام الكامل مع الحقيقة الربانية في كل تجلياتها العلمية.
ان مجانبة العقل ، معصية... واثم كبير..
فالحسن ما حسنه العقل ، والقبح ما قبح العقل.
وما الاثم الا التخلف عن الركب..والتقهقهر عن التقدم ومسايرة المحدثات..
وان في هذه البلاد كثير من ادعياء العلم.. واصحاب الصيت الكاذب.. يحرمون ما لم يحرم الله تشددا وجهلا.. ويقحمون فيه ثقافاتهم البدائية.. وعقدهم النفسية.. وكيف لا وفيهم من كان يمنع والى وقت قريب الذهاب الى المشافي الحديثة..وما زال بينهم من يحظر على الناس الانتفاع من المدارس ...ومن يهين المرأة ويمنعها من حقوقها في الدراسة والعمل الشريف الذي يصون العرض متشبثا بثقافة بدائية تجعل منها مجالا حيويا للذكر .
هنا علينا ان نتوقف قليلا لنوضح ان الحرام هو ما حرم الله في كتابه..
كتحريم الزنا ونكاح المحارم ولحم الخنزيز....
وما لم يحرم الله لا يحق للانسان..ايا كان طول ذقنه.. وصفه بالحرام.
بطبيعة الحال يحق للناس تقييد المباح باجتهاد يروم المصلحة او يتجنب الضرر لكن لا يحق لاي شخص ان يخلط بين التحريم وهو سلطة ربانية لله وحده والتقييد الذي يعود للبشر في قوانينهم واخلاقهم..
فالتحريم مطلق لربانيته..
والتقييد نسبي لانسانيته.
وهذا مناط الحكم في الآية الشريفة :
وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لا يُفلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ.. [النحل: 116-117]
ان من اسباب الاندحار الذي تعيشه الأمم المسلمة هو قلبها للقاعدة الفقيهة التي تقول بأن الحلال هو الاصل ، حيث تشكلت طبقة اكليروس، نصبت نفسها وسطاء بين الله وعباده واقحمت انفسها في كل أمر.. وطفقت تحرم وتحلل على الهوى في فوضوية وتسيب حتى اصبح الجدل بين الناس ومحط تباحثهم هو هل هذا حرام او حلال وتركوا اعمال العقل وقيدوا الاذهان وكبلوها فتخلفوا بموجب ذلك الاثم...
وصارت المجتمعات المسلمة عالة على الانسانية في كل شيء.
واذا نظرنا فيما هو منسوب للرسول علىيه الصلاة والسلام من احاديث سنجد ما يؤيد ما سلف من استثنائية الحرام.. ومشاعية الاباحة .
"..فعَن عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: أَتَيتُ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَفي عُنُقِي صَلِيبٌ مِن ذَهَبٍ، فَقَالَ: "يَا عَدِيُّ، اِطرَحْ عَنكَ هَذَا الوَثَنَ" فَطَرَحتُهُ، وَسَمِعتُهُ يَقرَأُ في سُورَةِ بَرَاءَةَ: (اتَّخَذُوا أَحبَارَهُم وَرُهبَانَهُم أَربَابًا مِن دُونِ اللهِ) حَتَّى فَرَغَ مِنهَا، فَقُلتُ: إِنَّا لَسنَا نَعبُدُهُم، فَقَالَ: "أَلَيسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونَهُ، وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَتَستَحِلُّونَهُ؟!" قُلتُ: بَلَى. قَالَ: "فَتِلكَ عِبَادَتُهُم" (رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَالطَّبَرَانيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ)،
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "الحَلالُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ..." (رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ).
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "مَا أَحَلَّ اللهُ في كِتَابِهِ فَهُوَ حُلالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنهُ فَهُوَ عَفوٌ فَاقبَلُوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَهُ؛ فَإِنَّ اللهَ لم يَكُنْ لِيَنسَى شَيئًا"... (أَخرَجَهُ البَزَّارُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ)..."
يا عباد الله ان طريق النهضة ابلج.. وممكن وميسور... فليس اليابانيون افضل منا..
وليس الاوروبيون ارجح منا عقلا... وانما رسخوا قيمة العقل.. واعلوا من شأنه..
وبارحوا ادعياء العلم.. ودجاجلة البؤس الذهني.. وتركوا يباب القساوسة وانسابوا بكل سلاسة صوب حدائق الفكر.. فوصلوا الى ما وصلوا اليه من سعادة ..
وهاهي مركباتهم تقتحم الفضاء في كل وجهة.. ونحن مازلنا نسأل اصحاب الذقون العفنة عن مصلح الطعام آرو ماجي هل هو حرام ام حلال...
يا عباد الله.. اتقوا الله..في انفسكم واهليكم واتبعوا المحجة البيضاء
فلا جميل الا ما قبله العقل... ولا قبيح الا ما قبحه..
وقوموا الى صلاتكم
وتدبروا كلام الله..
والسلام على من اتبع الهدى..