شدد الرئيس محمد ولد الغزواني على أن الأمن لم يعد في هذه الأيام محصورا في مجرد الدفاع عن الحوزة الترابية، بل صار يشمل صون اللحمة الاجتماعية وأمن الأفراد والمجموعات في وجه التطرف والإرهاب، وكذلك نشر قيم التسامح والانفتاح والعدل التي هي في الأصل كنه الأديان السماوية وجوهرها.
وأضاف ولد الغزواني خلال كلمته اليوم في الدورة الثامنة للحوارات المتوسطية المنعقدة في إيطاليا أن الأمن بحكم عمق الترابط والتأثير المتبادل بين مختلف الدول لم يعد كذلك أمرا تسيره كل دولة بمنعزل تام عن الآخرين بل صار شأنا جماعيا دوليا، ولن يتأتى سلام دائم إلا في ظل أمن الجميع وفي كنف تنمية شاملة مستديمة.
واستعرض ولد الغزواني معالم ما وصفها باستراتيجية المتكاملة والمندمجة، والتي اعتمدتها موريتانيا مقاربتهاا للتحديات الأمنية، مدرفا أن تركزت على محور تحديث وتقوية الجيش وقوات الأمن، وذلك من خلال التكوين والتدريب والرفع من مستوى القدرات العملياتية لقوات الجيش والأمن، وتعزيز شبكات المخابرات وإعادة تنظيم المنظومة الأمنية وإنشاء وحدات خاصة، وكذلك على التنسيق النشط مع الشركاء الإقليميين والدوليين.
أما المحور الثاني يضيف ولد الغزواني فهو تعزيز الترسانة القانونية للتقاضي فيما يخص العمل الإرهابي من تسريع إجراءات المعاملة الجنائية للجرائم ذات الصلة، ينضاف لها "تجفيف مصادر تمويل النشاط الإرهابي عبر المراقبة الدقيقة لتدفق المال وتنظيم إجراءات الصرف وحركة الأموال وترصد المنظمات غير الحكومية الوهمية".
وتحدث ولد الغزواني ضمن محاور الاستراتيجة الأمنية الموريتانية عن مكافحة الهجرة غير النظامية، والتي وصفها بأنها "لا تشكل تحديا لموريتانيا بصفتها دولة عبور فحسب، بل تشكل كذلك معضلة حقيقية للدول المستقبلة للمهاجرين"، مضيفا أن موريتانيا تبنت سلسلة من الإجراءات الحازمة، ووضعت ترسانة قانونية ناجعة للحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين، ومنع المتاجرة بالأشخاص وغيرها من الممارسات والجرائم العابرة للحدود.
وأضاف ولد الغزواني أنها بذلت بالتزامن مع ذلك جهودا جبارة في سبيل تقوية اللحمة الاجتماعية، ومكافحة الفقر، والغبن والهشاشة والإقصاء وترسيخ الحكامة الرشيدة والحريات الفردية والجماعية.
ولفت ولد الغزواني إلى استراتجيتهم لم تقتصر على البعد العسكري والتنموي فحسب، بل شملت كذلك بعدا فكريا هو محور أساس في بنيتها العامة، مشددا على أن "التطرف في الأفكار هو غالبا منشأ العنف في الأفعال، فالفكر المتطرف هو ما يتحول في البيئة المواتية إلى عنف إرهابي فعلي هادم وفتاك".
وأكد ولد الغزواني أنهم عملوا على تنقية العقول من بذور التطرف الفكري بإشاعة ثقافة السلام والمحبة وبنشر قيم الدين الإسلامي الحنيف من تسامح ووساطة وإخاء. كما حرصوا على تصحيح الانحرافات الفكرية والعقدية قناعة منهم بأن الانتصار على العنف والإرهاب لن يكون مستداما إلا إذا كان انتصارا فكريا بقدر ما هو انتصار أمني.
وقال ولد الغزواني إن العلماء الموريتانيين نظموا "حوارات متعددة مع من غرّر بهم من شبابنا وأعادوا الكثير منهم إلى جادة الصواب، وقد تلقى هؤلاء كل الدعم والمساندة لتمكينهم من الاندماج مجددا في الحياة الاجتماعية الطبيعية".