حظي موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص باهتمام كبير من قبل الحكومات والمجتمعات والمراكز البحثية في مختلف أنحاء العالم ، زاد الاهتمام بالشراكة بعد أن اتّضح بأنّ عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية تعتمد على حشد جميع إمكانات المجتمع، بما فيها من طاقات وموارد وخبرات القطاع العام وكذلك الخاص، لتتشارك في تنظيمات مؤسسية تتولّى إنشاء المشاريع بمختلف أنواعها وتشغيلها، لذلك تسعى الدول المتقدمة والنامية على حد سواء إلى خلق التنظيمات المؤسسية والتشريعات والنظم لتبنّي التنظيمات التشاركية التي تسهم فيها قطاعات المجتمع في توجيه المشاريع والأعمال وإدارتها وتشغيلها وتطويرها وتنميتها من أجل خدمة أغراضها على أساس تشارك فعلي، وحوكمة جيدة، ومساءلة شفافة ومنفعة متبادلة.
إنّ مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص تزايدت في أنحاء العالم كلّها لأسباب عديدة منها،، وإلى إشراك القطاع الخاص بشكل أو بآخر في إدارة شوؤن الدولة. تعاظم الديون السيادية وازدياد عجز موازنات الحكومات، ما دفعها إلى البحث عن تخفيض هذا العجز من دون أن يؤثر ذلك على الإنفاق الاستثماري لديها عبر عقد شراكات مع القطاع الخاص.
1 - أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص
تشكّل الشراكة بين القطاعين العام والخاص السبيل الوحيد لكثير من الاقتصادات حول العالم ومنها الاقتصاد الموريتاني ، من أجل إعادة تمويل بنى تحتية وإنشائها بغية تطوير الاقتصاد، فالاقتصاد الموريتاني وبعد مرور العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، لا يمكن أن يتطوّر من دون بنى تحتية التي تُعتبر أكثر من ضرورية لأي اقتصاد حديث، من أهمّها نذكر خدمات الطاقة الكهربائية وشبكات الاتصالات المواكبة لتطوّرات العصر، ومحطات الصرف الصّحي والطرق والجسور والمياه، وغيرها الكثير من أعمدة الحياة العصرية لاقتصادٍ ناجحٍ يحافظ على بيئته ويقدّم الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لأبنائه
وممّا لاشكّ فيه أنّ الاستثمار في البنى التحتية يؤدي دورًا رئيسًا في تحفيز نموّ الناتج المحلي وتطوير الاقتصاد وتأمين نموه المستدام. فمشاريع البنى التحتية تسهم في إيجاد الأرضية المناسبة لاستقطاب الاستثمارات وخلق فرص عمل عديدة في القطاعات جميعًا ولكل الطبقات الاجتماعية على اختلافها. كذلك للبنى التحتية تأثير مباشر على الخدمات العامة لجهة مدى توافرها، واتساع نطاقها وشموليتها، ورفع قدرتها التنافسية وخفض كلفتها.
إنّ عجز الدولة المزمن عن تحمّل أعباء الإنفاق الاستثماري اللازم بسبب تراكم الدين العام الموريتاني، انعكس سلبًا على قدرة الدولة في تأمين الخدمات العامة ولا سيّما الأساسية منها، كالكهرباء والنقل العام، وهذه الحالة خبرتها دول عديدة واستطاعت تخطّيها من خلال اللجوء إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتمويل مشاريع بنى تحتية ذات منفعة عامة، وتنفيذها وإدارتها.
2 - طبيعة الشراكة بين القطاعين العام والخاص
تتميّز الشراكة بين القطاعين العام والخاص بأنّها شراكة طويلة الأمد تهدف إلى تقديم خدمات عامة، وإنشاء البنى التحتية عن طريق الاستفادة من الكفاءة الإدارية والقدرات التمويلية للقطاع الخاص. تتميّز هذه الشراكة بأنّها ليست شراكة برأس المال ولا شراكة بالأرباح، بل هي أيضًا شراكة بالمخاطر، بحيث أنّ القطاع العام يحوّل إلى القطاع الخاص جزءًا من مخاطر المشروع ويحتفظ بأخرى, وهذا ما يميّز الشراكة عن الخصخصة وعقود الإدارة، فالخصخصة تنطوي على تحويل مخاطر المشروع (من ربح وخسارة) إلى القطاع الخاص، بينما تكتفي الدولة بدور التنظيم والرقابة. أمّا عقود الإدارة فتقضي باحتفاظ الدولة بالمخاطر كلّها، لأنّ دور القطاع الخاص يقتصر على تقديم خدمة ما لقاء بدل يتفق عليه بين الطرفين.
أمّا في ما يخصّ الشراكة بين القطاعين العام والخاص, فهي تشمل كل درجات الشراكة في المخاطر بنسب تختلف من مشروع إلى آخر بحسب المشاريع والاتفاقات المبرمة، يتحمّل القطاع الخاص في عقود الشراكة مخاطر التطوير والتصميم والتشييد والتشغيل والاستكشاف والتمويل والتضخّم. وهنا تكمن أهميّة هذه الشراكة إذ إنّ القطاع الخاص أكثر ديناميكية لجهة التطوير والاستكشاف، خصوصًا وأنّه يسعى لرفع إنتاجيته ممّا ينعكس إيجابًا على الجودة والنوعية للسلع المقدّمة من جهة، وعلى تخفيض الكلفة من جهة أخرى. وفي الوقت نفسه, يتحمّل القطاع العام مخاطر البيئة والتنظيم والتعرفة وبعض الأمور القانونية الأخرى، ويمكن أن يتحمّل الطرفان معًا المخاطر المتعلّقة بالقوّة القاهرة والعلاقات مع العمّال والربح والخسارة. كذلك يمتاز هذا النوع من الشراكة بأنّ القطاع العام لا يقوم بشراء الأصول للمشاريع، بل يقوم بشراء السلعة المنتجة, وبمفهوم آخر يهتم القطاع العام أكثر بالمخرجات بدلًا من اهتمامه بالمدّخلات.
3 - أهداف الشراكة بين القطاعين العام والخاص
تهدف الشراكة بين القطاعين العام والخاص إلى تغيير نشاط الحكومة من تشغيل البنية الأساسية والخدمات العامة، إلى التركيز على وضع السياسات لقطاع البنية الأساسية ووضع أولويات لمشروعات البنية الأساسية، كذلك لمراقبة مقدّمي الخدمات بغية تحسين نوعيّتها ورفع جودتها. كما وتهدف هذه الشراكة إلى إدخال الكفاءات الإدارية والقدرات التمويلية لدى القطاع الخاص وإشراكه في تحمل المخاطر.
إنّ الشراكة بين القطاعين تحقق أيضًا قيمة أفضل مقابل النقود في ما يتعلّق بالإنفاق العام من خلال السعر الأمثل للعميل على أساس التكلفة خلال مدّة العقد. أمّا السعر الاجمالي لمناقصة القطاعين العام والخاص المقدّمة من الشريك يجب أن يكون أقل من التكلفة التي تتحمّلها الحكومة لو قامت بتوفير مستوى الخدمة نفسه، متضمّنة التكاليف الإضافية للمخاطر التي يمكن للحكومة أن تواجهها.
كما وأنّ الشراكة بين القطاعين تهدف إلى تفادي تراجع الأصول والمنشآت الضرورية للقطاع العام نتيجة الصيانة غير الفعّالة أو التّشغيل السيء للأصول وإدخال الابتكارات على تصميم المشروع بالنسبة لهذه الأصول.
4 - مبرّرات الشراكة بين القطاعين العام والخاص
ممّا لا شكّ فيه بأنّ الشراكة بين القطاعين العام والخاص تعتبر نموذجًا متطورًا لأنشطة الأعمال التي تساعد على زيادة استثمارات القطاع الخاص، ولا سيّما عندما يكون الإقتصاد الوطني يعمل بأدنى من كامل قدراته وطاقاته التشغيلية في المجالات الاقتصادية جميعًا، من أجل الوفاء باحتياجات المجتمع من السلع والخدمات بأساليب مستحدثة، وهنا يمكن حصر مبرّرات اللجوء إلى أسلوب الشراكة بالنقاط الآتية:
- عدم قدرة القطاع العام على تحقيق التنمية المستدامة بمفرده.
- التغير التقني والاقتصادي المتسارع الذي يتيح الفرصة لتخفيض تكلفة المشاريع.
- ضغوط المنافسة المتزايدة وتراجع معدّلات النموّ في الناتج المحلي.
- محدودية الموارد المالية والبشرية لدى القطاع العام، وعدم قدرته على مواكبة التطوّر التكنولوجي بسبب تعدّد المجالات والمشاريع التي يتطلب تنفيذها. وعليه فإنّ الشراكة تعمل إذًا على تخفيف حدّة المنافسة بين هذه المجالات من خلال تبادل الالتزامات بين الشركاء.
- زيادة الفاعلية والكفاءة من خلال الاعتماد على الميزة المقارنة وعلى تقسيم العمل العقلاني الناتج عن هذه الشراكة.
5 - متطلّبات الشراكة الناجحة
إنّ نجاح أي رؤية استراتيجية على المستوى الإقتصادي العام تحتاج إلى ظروف وبيئة حاضنة وأدوات تساعد على تحقيق أهداف هذه الرؤية، لذلك يمكن تحديد الخطوط العريضة لمتطلبات نجاح هذا الأسلوب بالآتي:
- دعم سياسي قوي على المستوى الوطني ممّا يؤدي إلى تشجيع هذا النشاط مع وجود تطوّر واقعي مشترك للشراكة مبني على نقاط القوّة والضعف المتوافرة لدى أطراف الشراكة.
- تحليل دقيق ومفصّل وشفّاف لجدوى المشروع قبل التعاقد.
- تحليل مفصل للمخاطر من جميع جوانب المشروع الفنّي والتجاري فضلًا عن المخاطر السياسية.
-عقود مبرمة جيدة وشفّافة وتنافسية ومفصّلة على المدى الزمني القصير والمتوسّط والطويل.
- الرغبة من قبل الشريك العام (القطاع العام) بالقبول في حلول إبتكارية.
- رقابة فعّالة وحرفية على الشريك في القطاع الخاص من قبل العميل الحكومي.
- إختيار المشروعات المناسبة بحيث يمكن تكرارها لتحفيز القطاع الخاص.
6 - أنواع الشراكة
تصنّف الشراكة من خلال المفاهيم والتوجهات والمعايير المعتمدة في التصنيف بحسب نمط التنظيم، وأسلوب اتخاذ القرار، و نوع القطاع، وطبيعة النشاط، إضافةً إلى طبيعة العقد, بحيث يتحدّد الدور الذي يقوم به كلّ من القطاع العام والقطاع الخاص ضمن تلك الشراكة. فالترتيبات المؤسسية تتراوح ما بين ترك أمر البنية الأساسية للإدارة الحكومية، أو ترك أمرها كليًا للقطاع الخاص. ويلاحظ أنّ بين النمط الأوّل والثاني ترتيبات مؤسسيّة أخرى توزّع فيها الأدوار بين الطرفين من خلال إسناد خدمات البنية الأساسية عبر عقود كالخدمة، أو الإدارة، أو التأجير، أو الشراكة, أو الامتياز.
إنّ أكثر التصنيفات قبولًا من قبل الباحثين تندرج على أساس مجموعتين:
أوّلًا- شراكات تعاونية Partnerships Collaborative
يدور هذا النوع من الشراكات حول إدارة الشراكة وتنظيمها على أساس تشاركي بين القطاعين العام والخاص، حيث تتّصف الشراكة بعلاقات أفقية بين أطرافها ويتمّ اتخاذ القرار بالإجماع بحيث يشترك جميع الشركاء بأداء المهمات والواجبات، من دون إشراف منفرد لأي طرف بموجب القواعد التي يفرضها.
ثانيًا: شراكات تعاقدية Partnerships Contracting
يُعنى هذا النوع من الشراكات بترتيبات توصيل الخدمات بموجب عقد بين طرفين. تكون العلاقات بين أطراف الشراكة عامودية مع وجود جهة مرجعية واحدة تمارس الرقابة والسيطرة على النشاط ولا تمارس أداء المهمّات، بل تعتمد على الأطراف الأخرى في ذلك. تكون تلك الجهة قادرة على إنهاء الشراكة أحيانًا بطريقة أحادية استنادًا إلى معيار العقد الذي يحكم العلاقة بين القطاعين العام والخاص.
يدخل نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص Public- Private Partnership PPP, وفق التصنيف الوارد أعلاه, ضمن الشراكات التعاونية، بينما تأخذ الشراكات التعاقدية أشكالًا عديدة مثل التأجير والإدارة، والخدمة، و الشريك الاستراتيجي , والامتياز, إلخ...
7 - فوائد الشراكة ومزاياها
إنّ الشراكة بين القطاعين العام والخاص تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية خصوصًا في الدول النامية. يبرز في تلك الدول دور الدولة في اتخاذ القرار ورسم السياسات, أمّا القطاع الخاص فدوره في تنفيذ المشاريع والمشاركة في أدائها. مع الإشارة إلى أنّ تلك الرﺅية مبنية على فكرة عدم فعالية تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية إذا ما اقتصرت على الدولة وأجهزتها أو القطاع الخاص بشكل منفرد (خوفًا من الجشع). يمكن حصر فوائد الشراكة بالنقاط الآتية:
- توزيع المخاطر الناجمة عن إقامة المشاريع بين أكثر من طرف، هم أطراف الشراكة أي القطاع الخاص والقطاع العام.
- توفير رأس مال القطاع الخاص وما يمتلكه مـن المعرفة والخبرة في إدارة المشاريع التي يعتبر عنصر الوقت حاسمًا فيها. يساعد ذلك على تقليص المدّة الزمنية اللازمة لتنفيذها، وبالتالي تحسين موقف القطاع العام.
- تخفيف الضغط عن المالية العامة التي تعانيها الحكومات، وخلق القيمة المضافة التي توفّرها المرونة المالية، مع تحسين القدرة الإدارية للقطاع العام.
- إنّ ترتيبات الشراكة بين القطاعين العام والخاص تحقّق نتائج أفضل ممّا يستطيع أن يحقّق كل فريق على حدة. يتم ذلك من خلال تأثير الشركاء على أهداف بعضهم البعض وقيمهم، عن طريق التفاوض والتوصل إلى معايير عمل أفضل. سيكون هناك من ناحية أخرى مجال لتوسيع الموارد المالية نتيجة تعاون الأطراف في ما بينها ونتيجة قدرة القطاع الخاص على تأمين التمويل اللازم للمشروعات.
- تعزيز مبادئ الإفصاح والمساءلة في كيفية إدارة الموارد.
تبنّي مناهج عمل أكثر استراتيجية من قبل الشركاء عبر تزويد أفكار استراتيجية أفضل من قبل القطاع الخاص، وصياغة أفضل.
- إعطاء البعد الاقتصادي اهتمامًا أوسع في السياسات ذات العلاقة، وإدارة المشاريع على أسس اقتصادية بما يحقّق المكاسب الاجتماعية والاقتصادية، وصولًا إلى النمو في الناتج المحلي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
- التوصّل إلى الحلول المرنة التي تستجيب للسياسات التنموية والتطويرية، حيث يسهّل الشريك في القطاع العام الشأن القانوني، ويسعى الشريك الخاص إلى تأمين إنتاجية أعلى.
- إعطاء الشرعية والصدقية للمشروع من خلال مشاركة القطاعين العام والخاص.
- تحقيق النجاح والتوسع في الأعمال من خلال التحفيز والرؤية والنظرة المستقبلية، وإيجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، والتي بدورها تخلق الحوافز المستحدثة.
-خلق بيئة عمل ديناميكية للتغيير داخل البيروقراطيات الحكومية المحصّنة. تسمح الشراكة للحكومات بتنفيذ التغيير من دون التأثير على أعمالها الحقيقية المتعلّقة بتطوير السياسة الاجتماعية، والتوجّه المستقبلي وإدارة الخدمات وتقويمها.
- الشراكة بين القطاعين هي التي تحمي المستهلكين من إساءة استعمال السلطة الاحتكارية للقطاعين.
- الشراكة تفتح حيّزًا اقتصاديًا لدخول الشركات الكبيرة، الصغيرة، والمتوسّطة معًا إلى أسواق كانت مستبعدة منها، ممّا يؤدي إلى تأمين فرص عمل إضافية.
- الشراكة بين القطاعين العام والخاص تشجّع المنافسة وتحفّز على الابتكار.
8 - المخاطر المحتملة من الشراكة بين القطاعين
ممّا لا شكّ فيه بأنّ أي عمل اقتصادي منتج، بغض النظر عن طبيعة ملكيته، يتعرّض أو يمكن أن يتعرّض لمخاطر مختلفة، ويمكن تلخيص المخاطر بالنقاط الآتية:.
- فقدان السيطرة من جانب القطاع العام على العمل .
- زيادة التكاليف الناتجة عن سوء الدراسة في الجدوى الاقتصادية.
- المخاطر السياسية (تغيّر في القوانين بشكل مفاجئ...)
- ضعف مستوى المراقبة والمساءلة (ربما بسبب عدم خبرة القيّمين على الرقابة).
- الإنتاج غير مطابق للمواصفات والمقاييس.
- ضعف مستوى التنافس بين الشركاء بسبب غياب التحفيز.
- سوء اختيار الشركاء (سوء نية أو سوء تقدير).
- رفض المجتمع للمشروع لأسباب بيئية أو اجتماعية أو بسبب العادات والتقاليد.
9- بعض المفاهيم الخاطئة عن الشراكة
بعد أن استعرضنا ماهيّة الشراكة وأهميتها بين القطاعين العام و الخاص، لا بدّ أن نتحدث عن جملة من المفاهيم الخاطئة المنتشرة حول مفهوم تلك الشراكة، والتي تؤثّر بشكلٍ أو بآخر سلبًا على اعتمادها من قبل الحكومات حول العالم.
أ - تمويل المشروع من قبل الدولة هو أقل كلفة:
هذا أمر غير صحيح، إذ إنّ كلفة المشروع هي نفسها في كل الحالات، آخذين بعين الاعتبار المخاطر والكلفة الإضافية التي سيتحمّلها القطاع العام نتيجة زيادة حجم الديون السيادية، بالإضافة إلى منافسة القطاع العام للقطاع الخاص على الطلب على موضوع القروض.
ب- الشراكة ستؤدي إلى فقدان وظائف موظفي القطاع العام:
إنّ هذا المفهوم خاطئ أيضًا، إذ إنّ القطاع العام سيبقى له حق تقديم الخدمات، وبالتالي هناك إمكانية استحداث وظائف جديدة بفعل بناء إنشاءات جديدة.
ج - الشراكة هي خصخصة مقنّعة:
في الخصخصة يُعطى القطاع الخاص الحرية في وضع مواصفات الإنتاج وكذلك الأسعار، بينما في عقود الشراكة تحدّد المواصفات و الأسعار مسبقًا ضمن استدراج العروض. كذلك تبقى في الشراكة مسؤولية تقديم الخدمة على عاتق القطاع العام بعكس الخصخصة.
د - الشريك الخاص يبغي تحقيق الأرباح على حساب الدولة:
إنّ مفهوم الشراكة الناجحة يقضي باستفادة الأطراف المتشاركة، ممّا يتيح للقطاع الخاص تحقيق العائد المطلوب الناتج عن مشاركته و يتيح أيضًا للقطاع العام في حال نجاح الشراكة، تحقيق أعلى إفادة ممكنة.
ه - الشراكة هي الملكية المختلطة لشركة المشروع:
إنّ القطاع الخاص يؤسس شركة المشروع ويموّله ويديره ويملكه للفترة المتعاقد عليها فقط. إذا أراد القطاع العام الإسهام في التمويل، تكون له حصّة في الشركة وتكون عندها شركة المشروع شركة مختلطة.
و - الدولة تفقد السيطرة على الكلفة والجودة:
إنّ مسؤولية القطاع العام في عقود الشراكة هي تقديم الخدمة، وهو بالتالي يضع مواصفات الإنتاج التي على أساسها يتمّ اختيار الشريك.
يتّضح مما سبق أنّه لتحقيق الشراكات الناجحة مع القطاع الخاص في مجال البنية الأساسية، لا بدّ وأن يتمّ ذلك مرحليًا وبعد دراسة واعية للأهداف المطلوب تحقيقها من خلال هذه الشراكة.
نقترح في ختام هذا المقال جملة من التوصيات التي من شأنها أن تسهم في إنجاح عملية الشراكة مع القطاع الخاص:
- وضع الخطوط العريضة والأهداف التنموية المرجوة من عملية الشراكة مع القطاع الخاص، ليس فقط على المستوى الاقتصادي أو تحسين أداء الخدمات العامة، ولكن من حيث مردود ذلك على التنمية بشكل عام، وعلاقة تلك الشراكة بتحسين الظروف العمرانية الملائمة للسكان.
- وضع الأطر العامة التي تحدّد دور كل شريك في التنمية بما يضمن كفاءة التنسيق والتكامل بين الأطراف جميعًا.
- حصر التجارب الناجحة التي خاضتها الدول الأخرى عند الشراكة مع القطاع الخاص وتقويمها والاستفادة من إيجابيتها، وتلافي السلبيات الناجمة عنها.
- الاعتماد على المكاتب الوطنية للمحاماة ذات الخبرات الدولية لصياغة العقود، وليس فقط على المكاتب الدولية.
- تحرير الأسواق المالية وتطويرها وتهيئتها لجذب المدّخرات الوطنية والأجنبية، وتوظيفها في مجالات الاستثمار في مشروعات الخدمات.
- عدم الانتقال من القطاع العام إلى القطاع الخاص إلّا بعد إعداد الأطر التشريعية والمؤسسية اللازمة لإنجاح هذه الشراكة، كذلك إنشاء الأجهزة اللازمة لتنفيذ القواعد والالتزامات الواردة في تلك الأطر بقدرٍ عالٍ من الكفاءة والنزاهة، كالمجلس الأعلى للخصخصة والشراكة مثلًا.
- وضع اللوائح والقوانين التي تهدف إلى حماية المستهلك من احتكار تقديم الخدمة المقدمة من القطاع الخاص.
- توفير منظومة رقابية مكوّنة من بعض الأجهزة الحكومية والمجتمع المدني تضمن الالتزام بالاتفاقات المعقودة بين الدولة والقطاع الخاص من جهة، وتضمن وصول الخدمة للمواطنين بالمستوى والسعر المطلوبين من جهة أخرى.
٩- ضمان تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال التوزيع العادل للخدمات من حيث الكمّ والكيف وذلك بدعم الفئات غير القادرة في المجتمع.
- توفير قاعدة بيانات عن الخدمات المطلوب الشراكة بها، ووضع برامج زمنية لها تتوافق مع الخطط التنموية الاقتصادية والاجتماعية للدولة.
- التنظيم الزمني والمكاني لعملية الشراكة، بحيث تتوافق مع تطوّر معدّلات الطلب على الخدمة المقدمة بالمعدّل الذي يفي بالزيادة المتوقّعة للسكان وبتوزيعهم المكاني.
- وجوب فهم طبيعة الشراكة وتحليلها، من خلال التحديد والتحليل الدقيق لمصالح وتوجّهات الأطراف المعنية كافةً وطريقة تعبيرها عن هذه المصالح، وخصوصًا في ما يتعلّق بالدولة، والتي غالبًا ما تملك من دون غيرها زمام المبادرة، و تتحكم إلى حدّ كبير بشكل تلك الشراكة وطبيعتها ونتائجها.
- أهميّة التركيز على تمكين المجتمع المحلي كطرف محوري وأساسي في الشراكة من أجل التنمية، وذلك من خلال التركيز على رفع درجة الوعي والإدراك لدور القطاع الخاص كشريك في التنمية.
محمد الطالب بوبكر