تعرف النهضة في الكتابات العربية بالصدمة الحضارية، إن على المستوى الثقافي، أو الاجتماعي..
واليوم يلاحظ المتتبعون لما يكتبه كتابنا، ومدونونا، وروائيونا، وعلماؤنا الدينيين في المواقع الافتراضية، والصحافة المكتوبة، وغيرها، كالتأليف الحر إلى جانب البحوث العلمية التي تراكم فكرا راقيا بوعيه لشروط النهضة، وتراكمها المعرفي..
وهذا يسمح بالقول إن ارهاصات النهضة الفكرية، تكاد ان تتجاوز ما كان يمور في الأذهان من الآماني، ويتردد فى مواقع الرأي العام بالتياع حد الشغف، ليعبر كل واحد جسر التخلف الفكري، عسى أن يلحق به المجتمع، وقد تباينت الرؤى، وافترقت المسالك في الاتجاهات، وتميزت المظاهر بفرادة الصوت الجهوري، والقلم السيال، بينما بحت اصوات دون ان يلوذ اصحابها بالصمت في مقابل النغمة الرخيمة الموازية عند آخرين، لكن غلبة البحث عن الذات المغمورة جراء تأثرها بالمرجعيات التي تغطي الواجهات الظاهرة للتجديد الفكري، خلافا للتقليد، وأكثر من ذلك مساوقتها للسياسة الى درجة تبعيتها، الأمر الذي أغاض الوعي المتشيئ في البرك الآسنة للسياسة، لينال من منافعها الآنية على حساب فكر النهضة الموعودة في بلادنا، وفي الوطن العربي خلال هذه الحقبة الطامسة لمختلف مظاهر الوعي النهضوي العام..
لذلك، أرى في تقديري الشخصي أن التأريخ للفكر، هو مجال واسع لاشتراك مهنة التوجيه الواعي بموازاة الالتزام بالموضوعية والحيادية في حدودها الدنيا لعل الخيط الابيض من الاسود، يظهران في اتجاهات النهضة العربية في موريتانيا بمعزل عن هذا التوجه الفكري غير استنهاضي الذي تبناه الشيخ العالم الوقور/ ولد بيه /حفظه الله، وأطال عمره في تبنيه للابراهيمية، وكذلك الدكتور الشنقيطي ـ الاستاذ الجامعي الذي يدرس فلسفة الأخلاق في جامعة قطر ـ لاتجاه الشيخ حسون مفتي الجمهورية السورية في الموقف اللاشرعي من المسيحيين، وعدم تكفيرهم في معتقدهم..
أولا ـ ما هي الابراهيمية ؟ وهل يمكنها أن تفعل ـ بتضعيف العين ـ نهضتنا الفكرية للتفاعل مع الفكر السياسي المعاصر؟
لقد صاغ العقل الامريكي المتصهين، هذه الفكرة الغائمة، الملغومة على أساس، أن " الابراهيمية" تمثل كلية اعتقادية، لتكون الديانات الإلهية الثلاث، بمثابة جزئيات فرعية، وعلاقتها بالكلية الاعتقادية علاقة "تضمن"، ومن اجل تجاوز التناقض بين الجزئيات الفرعية، يجب الرجوع الى أبوة إبراهيم في توحيده الأعتقادي، ما يستدعي ذلك من رحمات تستولد علاقات الأخوة بين ابنائه المزعومين، ولم يهتم المنظرون بالعبادات في الصلاة التي ابتدعها السياسيون للعامة مرخرا، بينما المهم في " الابراهيمية" عند مؤسسيها هو: نسج علاقات الاخوة وفقا للديانة الأم الناسخة للفوارق، والمغيبة للخلافات، وذلك من أجل ان تجري العلاقات وفقا لهذا الطرح الذي يتغافل عن مبادئ "السلام " ـ الذي يدعون، وهم القتلة ـ التي من أهمها احترام المقدسات لاصحاب المعتقد الاسلامي، كأماكن العبادة ، وأولها المسجد الاقصى باعتباره أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ثم التراجع عن اغتصاب الحقوق المغتصبة للعرب، والمسلمين في فلسطين،، وغير ذلك يعد مخالفا للعدل الالهي في المعتقد الديني في ديانة موسى المرسل من الله تعالى، ودين عيسى نبي الله ورسوله، وفي الإسلام الخاتم للديانات، والجامع لها..
كما كان تغييب الاختلاف في الربوبية لدى اصحاب الديانات الثلاث، ثم الجهل بأن كلا منها شرعة ومنهاجا،، هو الاساس لهذا التصور الضحل، والفج للمتصهينين من رواد الابراهيمية، واتباعها، وسياسيها.!!
والسؤال الذي يفرض نفسه على الباحث، وغيره، هو: ما علاقة هذا التصور المخالف للشرع، والمناهض للحقوق العربية والاسلامية بقضايا المجتمع الموريتاني، وتوعية افراده على ظروف العصر، وتنوير فكرهم بما يؤصل للنهضة، أو يستحدث الفكر الاسلامي الموريتاني؟
ثانيا ـ أما بخصوص التعاطف الذي أظهره الدكتور الشنقيطي في " تغريداته" الأخيرة عن مصير المسيحيين، فهو شبيه بالتعاطف الذي سبقه في ذلك "الشيخ حسون" المفتي العام للجمهورية العربية السورية، وإذا كان الأخير، تجنب تكفير المسيحيين، وهو أمر مخالف لشرع الله تعالى، ومبرره السياسي، ربما يكون مخالفة، ومناهضة الاتجاه التكفيري الذي كان حينها، يدمر، ويقتل في المجتمع العربي السوري بحرب كونية، هي قمة الفجور ومظاهر الكفر..
فما الذي يبرر هذه التغريدات التي نشر الدكتور الشنقيطي عن مصير " المسيحيين في الآخرة،؟ وما الإكراه الذي جعله، يتجنب النطق بالحق الذي يعرفه عن بينة في القرآن الكريم عن مصيرالمسيحيين الأخروي، كما في الآيات القرآنية المكفرة لهم، والمحددة لمصير الكافرين بالخلود في النارـ والعياذ بالله ـ ؟ ولماذا تبنى فكرة " الإرجاء" ؟ وما الفرق بينه، وبين "المرجئة" في الفكر الاسلامي السابق؟ ولمن يخطب وده بهذه "التقية"؟ هل هم مسيحيو العرب للحفاظ على الوحدة الاجتماعية في المجتمعات العربية المختفة معتقدا بما فيهم زملاؤه في مركز البحوث، أو أساتذته في امريكا الذين درس عليهم تاريخ الأديان، فاستسهل شروحهم المنفلتة في مجال الالحاد، ليستحدث الشنقيطي هذه الفتوى النشاز التي استند فيها إلى دعاء المسيح عليه السلام في كلام الله تعالى، فجانب الصواب في حكم الله الصريح على الكافرين، ؟ وهل هذه الرأفة سيتبعها الدكتور الشنقيطي بطلبه من مسيحييه للنطق بالشهادة أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمه قبل ان يدركه الموت في سبيل الشفاعة له.؟
إشيب ولد أباتي