منتصبَ القامةِ أمشي مرفوع الهامة أمشي
في كفي قصفة زيتونٍ وعلى كتفي نعشي
وأنا أمشي وأنا أمشي... كلمات مفعمة بالثورة والطريق الطويل نحو الحرية والإيمان بتحرير فلسطين، سطرها سميح القاسم الشاعر الفلسطيني الكبير وغناها مرسيل خليفة، تجسد بجلاء سر التعويذة الفلسطينية الخالدة، شعب لايهاب الموت مرابط على الثغور بعزة وشموخ وصلابة. لافرق في النضال بين الرجل والمرأة لدى شعب الجبارين كما يلقبه دوما الشهيد أبوعمار ياسر عرفات رحمه الله، لذلك لم تكن شيرين أبو عاقلة بدعا أو خروجا عن النص. منذ نهاية التسعينات وهي مهيبة كجبال فلسطين، تتنتقل وتكشف جرائم الاحتلال الصهيوني، في كل مدن وقرى فلسطين، بصوتها الهادئ وأسلوبها الصحفي المنساب، حتى لقبت بصوت فلسطين، وشكلت مع وليد العمري وجيفارا البديري وإلياس كرام وبقية مكتب الجزيرة في فلسطين، حالة استثنائية في الإعلام العربي الميداني من خلال التوثيق والنقل المباشر بكل مهنية وموضوعية للأحداث هناك. من ينسى حضورها القوي في الانتفاضة الثانية، وحصار المقاطعة واقتحامات الأقصى الشريف، وذكرى النكبة التي قبل استشهادها بيومين أعدت تقريرا بمناسبتها من منطقة الأغوار حول حلم العودة الذي يعض عليه الفلسطنيون بالنواجذ ويتناقلون مفاتيح ديارهم جيلا بعد جيل. شيرين المقدسية ابنة القدس في جانبها الإنساني كما الصحفي رقة وعاطفة جياشة وتلقائية بحسب الزملاء والأهل.
الدموع التي انهمرت من كل بقاع الدنيا وعندنا في موريتانيا على شيرين تؤكد ذلك، دون أن ننسى الانهيار والصدمة التي دخل فيه رفقاء المهنة والعمر جيفارا وإلياس ونجوان ووليد العمري، وحق لهم ذلك لفقد قمر فلسطين، وإن كان العزاء في التشييع الوطني الممتد من جنين ورام الله ونابلس وحتى القدس للشهيدة شيرين، حيث حضرت أعلام فلسطين وصمد الشباب رغم الضرب والتنكيل من جيش الاحتلال حتى لايسقط النعش وقد ظل مرتفعا على الأكتاف. إن وحشية العدو الإسرائيلي وجبنه طبع يلازمه دوما، يتقن القتل غيلة وبكل حقارة، وطابور شهداء القضية من غسان كنفاني والشيخ أحمد ياسين والرنتيسي وأبو علي مصطفى وغيرهم وصولا إلى شيرين يشهد على ذلك، ولكن الاستشهاد ودم الشهداء الطاهر دوما يعيد القضية الفلسطينية للواجهة وبقوة، فالحق سينتصر وإن طال ليل الظلم والاحتلال. ولعل كلمات شيرين الخالدة هي خير عزاء وذكرى لسيدة القدس التي رحلت وبقيت خالدة دوما بيننا تماما مثل ناجي العلي وبقية شرفاء فلسطي.
تقول شيرين: "لن أنسى يوما حجم الدمار ولا أن الموت كان على مسافة قريبة.. لم نكن نرى بيوتنا.. كنا نحمل الكاميرات ونتنقل عبر الحواجز العسكرية والطرق الوعرة.. كنا نبيت في مستشفيات وعند أناس لم نعرفهم.. ورغم الخطر كنا نصر على مواصلة العمل"، كان ذلك خلال عام 2002 حينما تعرضت الضفة الغربية لاجتياح لم تعهده منذ احتلال عام 1967.
في اللحظات الصعبة تغلبت شيرين على الخوف، وقد اختارت الصحافة كي تكون قريبة من الإنسان، "ليس سهلا ربما أن أغير الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم" وقد أوصلته بالفعل حتى بعد رحيلها.
الداه يعقوب كاتب صحفي مقيم في واشنطن