بادئ ذي بدء من نافلة القول أني لست بصدد مقارنة بين الطرفين المذكورين اعلاه كما أو كيفا، بقدر الهدف من هذا المقال هو تسليط الضوء على مدى رجاحة ونجاعة وقبول التمكين لأيهما في تسيير دفة مسؤولية هذا الشعب،،? لا سيما أنه معروف بالمسالمة، وقدره أنه كان حقلا لتجريب المجرب وغير المجرب من أبنائه على كافة المستويات دون فائدة تعود عليه في مواجهة معركة اقلاعه نحو التنمية المستديمة.
من اجل ذلك، قد يتجلى بداية، أن مصطلح تمكين الشباب هو نتيجةً للفوضى المعرفية والتقييمية السائدة الآن ببلدنا شأن سائر المصطلحات والمفاهيم الأخرى،، وكثيرا ما يتم التعامل معها عن طريق استشعار الفائدة أو الضرر منها. كذلك فإنّ الدعوة المستجدة - حديث الصالونات في وضع الجديد محلّ القديم أو كبار السن، وأن يحل محلهم الشباب ، هو اختصار خطير ومخلّ.
فهذا الاختصار قد يقودنا إلى صراع داخلي منهِكٍ مهدِرٍ للطاقة هو "صراع الأجيال". مما قد يؤدّى بنا كذلك إلى مواءمات سياسية كوميدية، لنأتي بمن هم شباب في الظاهر لنضعهم في المسؤولية، بينما هم تقليديون محافظون على شاكلة سابقيهم، على أن يكونوا من اهل الكفاءة وأهل الثقة والأخلاق أو يكونوا خاضعين تمامًا لنفس المنظومة القديمة، طوعا أو كرها! - وليس بمستبعَد أن يخرج علينا مسؤول ليؤكد أن بلادنا تنعم بريادة وتقدّم مستمر في سعيها لتمكين الشباب، رابطا المسؤول نفسه بعلوم اللغة عن إعجابها بدقة وبراعة هذا المسؤول أو ذاك.
وللمقاربة اكثر نتساءل دائما: هل أنّ وضع شريحة أو شاب أو امرأة في مركز من مراكز صناعة القرار يعطي شعورًا بوجود تمثيل عالي المستوى لهذه الفئة? وهل يعني بالضرورة تمثيلًا حقيقيًا لمصالحها واحتياجاتها? حيث أنه غالبا ما يكون تمثيلا على المجتمع لا تمثيلا له. إننا جميعا في حاجة لتمثيل نوعي -لحقوقنا ومتطلبات تقدم شعبنا داخل مؤسساتنا التشريعية والتنفيذية، بدلًا من التمثيل الكمّي المفرغ من المضمون. وسيبقي التمكين الحقيقي للشباب ليس محصورًا في فئة عمرية أو شريحة معينة فالانسان شابا أو كهلا إذا كان معطاءً، ساعيا في الخير دوما، وشعبيا منفتحا على واقع شعبه، فإنه يكون شابا وسفيرا للشباب مهما كان كبيرا السنّ أو صغيره. والعكس صحيح فإن طول النظر في المنغّصات قد تضر بالشباب أيما ضرر، ويحيله إلى الكهولة المبكرة التي لا طاقة له للتعايش معها في الوطن الواحد، ناهيك عن تغييرها أو التأثير عليها.
ويمكن القول من وجهة النظر هذه بأن طرفي “صراع الأجيال” هما متفقان اكثر من كونهم مختلفان. مؤداه أن الكهول المخضرمين الذين جربوا في السراء والضراء منذ استقلال البلد إلى اليوم، والرافضين لإستبدالهم بجيل جديد هو حسب أسس غير موضوعية بالضرورة، -ونتيجة لحماسة لا تلبث أن تهدأ- فيرون أنّ ذلك قد يؤدي إلى تحميل المسؤولية لمن ليسوا مؤهلين، أو يؤدي للإنسحاق الفكري، مما يرون معه حكما عليهم بالموت –المعنوي- بتحويل هذا الجيل وما يتميّزون فيه ويجيدونه لصفحة من التاريخ.
و بالمقابل سوف يرى “حدثاء العهد” من المخضرمين الشباب أن صناعة الواقع الممثل في التخلف عن مواكبة الركب، وينبغي أن نسرع الخطى ونجد حتى نخرج من غياهب الجهل والتخلف وواقعنا الراكد الأليم. كما يرى هؤلاء الشباب أيضا أنّ طاقات كثير منهم مهدرة بالفعل في السعي لتغيير الشأن العام، أو فيما يتعلق بالبطالة، أو في أعمال لا تستخدم ما أفرغوا سنين من عمرهم ليتعلّموه مما يجعلهم يشعرون بعبثية عملية التعليم والتأهيل والخبرة لسوق العمل، عبثية هذا الذي يحرص “الكبار” المفسدون على الحفاظ عليه ويخططون لاستمراره. أليس واقعنا طاردًا للإبداع والكفاءة والنزاهة والخبرة الخ.. باعثًا على اليأس وحاجرًا على حريّة الفكر في كثير من الأحيان؟!
ينبغي أن يتفق الطرفان على أنّ معيار الاختيارات لابد أن يكون موضوعيًا، لا تحدده اعتقاداتنا عما هو من الصواب فعله، ولا الكيفية التي يرى أغلبيتنا أنها صحيحة أو مناسبة، فقط هو متعلّق بما تصلح به حال الشعب ويتطوّر به العمل نحو تنميته، وبعضها يجب السعي لمعرفته عن طريق قراءة الوضع القائم بدقة، والآخر ثابت يتعلّق بالقيم الثابتة والمنطق العقلاني.. انطلاقا من أنه ليس كل ما هو حديث بالضرورة أفضل مما هو أقدم.
فالطرفان اذن سيظلان متفقان على رفض الحالة التي تلغي وجود وتعطّل طاقات وقدرات فئة من الشعب ويعتبرون حالة كتلك سببا لصراع لا يتوقّف عند حدود تحصين المكانة أو مصدر الرزق بل يعتبر حربًا على وجود من يتم حذفهم من الخطة أو البرنامج. فعلى من ينشدون العدل والصواب في هذا البلد أن يوجدوا للجميع المكانة أو المكان الذي يستطيعون من خلاله المساهمة في تقدّم بلدهم، أو على الأقل أن يسمحوا للجميع بإيجاد فرص لأنفسهم، وإلا فإن مصداقية الدعوة للعدالة والتشارك في المسؤولية ستتضاءل وسوف تكسب عداوات حتمية. فالفرص يجب أن تكون مكفولة للجميع كل حسب كفاءته واستعداده للعطاء والتعلّم، إنها الكليات العمومية، لا يصلح تطبيقها على نطاق جزئي...
وأختم بأن، على دولتنا ممثلة في فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في أن يولي العناية الفائقة لكلا الفريقين بلا إفراط أو تفريط. من اجل استدعاء افكار الجميع وطموحاتهم، للنهوض بالبلد. بدلا من أن يظلوا متناثرين تتعالى أصواتهم هنا وهناك يعيش كل منكم غربته في سابقة ما كنا عرفناها، ويجب ألا نخدع انفسنا اليوم بولاء بعض المفسدين المزيف الهش وتجمعهم من حول الرئيس، وفي أغلب الأحوال قد لا يجدهم إذا اقتضى الحال ذلك، فذلك اسلم واحكم..!
عبدالله اكوهي