تسود تونس هذه الأيام مخاوف من اجتياح ما وصفه البعض بـ"تسونامي كورونا" وسط استمرار ارتفاع معدلات الإصابة بالفيروس وانتشار العدوى بنسق سريع.
تلك المخاوف ضاعفها اكتشاف سلالات متحورة على غرار البريطانية والهندية من الفيروس.
مقابل ذلك لا يزال نسق التطعيم باللقاح المضاد للفيروس بطيئا إذ لم يتجاوز عدد من تلقوا جرعتين من اللقاح حتى الآن 500 ألف شخص.
اجتياح، لا يمكن إيقافه وفق متابعين إلا عبر حملات تلقيح كبيرة وتوعية للأشخاص بضرورة تطبيق الإجراءات الصحية وتدابير الوقاية من الفيروس.
الإجراءات والتدابير، أقرتها السلطات التونسية مؤخرا، وتتمثل في غلق المناطق التي تتراوح فيها أعداد الإصابات بين 300 و400 حالة إصابة لكل 100 ألف نسمة، مع تطبيق حجر شامل في تلك المناطق لمحاصرة الفيروس مخافة انتقال العدوى.
وكانت الناطقة باسم وزارة الصحة نصاف بن علية، أكدت الجمعة أن آخر مؤشر للوضع الوبائي يصنف بـ"المرتفع جدا".
متفقا معها، اعتبر رئيس لجنة الصحة بالبرلمان العياشي الزمال في حديثه للأناضول أنّ "كل المؤشرات اليوم تدل على أننا نواجه وضعا خطيرا جدا نظرا لارتفاع عدد الإصابات في المحافظات التي وصلت إلى 400 حالة لكل مائة ألف ساكن وبالتالي دخلت في منطقة الخطر".
وأضاف الزمال " الأمر منذر بالخطر خاصة وأن طاقة استيعاب المستشفيات لم تعد تستجب لطلبات المرضى وأعدادهم المرتفعة".
وزاد أنه "رغم إقامة مستشفيات ميدانية في عدة مناطق وتدعيم البنية التحتية إلا أن الكوادر الطبية وشبه الطبية أجهدت منذ أكثر من سنة ونصف في مواجهة هذا الوباء".
وسجلت تونس، السبت، 90 وفاة و4664 إصابة بكورونا، في أعلى معدل يومي للإصابات، كما سجلت الأحد 3534 إصابة و75 وفاة، وبذلك يبلغ إجمالي الإصابات 403 آلاف و493، منها 14654 وفاة.
**مسؤولية جماعيّة واستراتيجية خاطئة
وفي السياق ذاته، وصف الطبيب الصحبي بن فرج "الوضع الصحي في تونس بالكارثي"، موضحا أن "الأرقام المسجلة تعد من أعلى الأرقام في العالم على مستوى انتشار العدوى والوفيات".
واعتبر بن فرج أن "المنظومة الصحية في تونس جيدة وقاومت وحاولت إعطاء كل ما عندها ولكنها ليست الأفضل في العالم".
ولفت إلى أن "ما وصلنا إليه اليوم ناتج عن الاستهتار على المستوى الشعبي العام".
واستدرك بالقول "لكن لا يمكن توجيه اللوم للشعب على حدة وإنما اللوم الكبير يوجه للسلطات العمومية لأنها برأيه لم تنجح لا في توعية الشعب ولا في تقوية المنظومة العمومية ولا في جلب كم هام من التلاقيح ووضع استراتيجية وطنية ناجعة لحث المواطنين على التسجيل وتلقي التطيعم".
وأوضح أنّ "الحكومتين السابقة والحالية لم تجيدا التعامل قبل سنة مع الوضع الصحي وأن الإجراءات المتخذة لم تنقذ الاقتصاد ولا الأرواح".
وزاد أن "إقرار حجر صحي شامل في مارس/آذار 2020 لم يكن قرارا موفقا خاصة أن عدد الوفيات حينها كان ضئيلا في عمومه ولم يتجاوز 50 وفاة إذ كانت تونس في تلك الفترة تمر بموجة كورونا خفيفة."
وأشار إلى أنه "لم يكن هناك حينها تناسق بين الوضع الوبائي والإجراءات المتخذة".
ولفت إلى أنّه "كان من المفترض على السلطات أن تمضي في اقتناء التلاقيح منذ (يوليو) تموز الماضي لتجنيب البلاد ما آلت إليه الأمور اليوم وهو ما قامت به أغلب دول العالم ."
واعتبر بن فرج أن "هناك من يطالب بالحجر الصحي الشّامل وهو الحد الأقصى الذيّ يمكن أن يوقف نزيف الإصابات والوفيات ولكن هذا الإجراء يتطلب إجراءات مرافقة ولكن السلطة في تونس تعرف جيدا أنها غير قادرة على غلق بلد بأكمله والتعويض المادي للناس في المقابل."
في السياق ذاته، اعتبر رئيس لجنة الصحة أن "هناك مخاوف اليوم من أن تخرج الأمور عن السيطرة وأن يتم تجاوز طاقة استيعاب المستشفيات وحينها سنكون في وضع صعب للغاية".
وقال: "كلنا مسؤولون اليوم أمام ما تعيشه البلاد من وضع صحي صعب بدء من رئيس الجمهورية إلى الحكومة إلى البرلمان إلى المواطن وكلنا شركاء في مجابهة هذا الوباء، ولكن الحكومة تتحمل المسؤولية الأكبر طبعا".
وأشار إلى أنّ "ما نعيشه اليوم نتاج أخطاء سنة بأكملها على المستوى التعامل مع الوضع الصحي الذّي اعتبره خاطئا".
**واقع اقتصادي صعب والتلقيح هو الحل
وعن التأثيرات الاقتصادية للأزمة، لفت رئيس لجنة الصحة إلى أن " انتشار الوباء خلف أمورا نفسية معقدة لدى التونسيين كما أن الجميع أنهك فعلى المستوى الاقتصادي نعيش ركودا واجتماعيا أيضا اتسعت رقعة الفئات الهشة أكثر فأكثر".
وأضاف أن "السياحة التي تعد قطاعا حيويا في تونس، تعاني للموسم الثاني تعطيلا وهو ما سيخلق بطالة وفئات هشة أكبر وكله ينعكس على الحملة الصحية ومجابهة الوباء لأننا قادرين على اتخاذ قرارات أكثر نجاعة (في إشارة للحجر الشامل) ولكن يصعب تطبيقها نظرا لكل تلك الظروف".
وشدد على أنه " يجب أن يكون هناك توازن بين ما هو اقتصادي واجتماعي وما هو صحي".
واعتبر الزمال أيضا أنّ "الحل الأمثل للخروج من هذه الأزمة هو التلقيح .. تونس تأخرت في هذا المجال ولكن النسق بدا يتحسن في الفترة الأخيرة وبدأنا القيام بحملات تلقيح متنقلة في الأرياف وبدأت تعطي أكلها".
ولفت إلى أنّ "الوضع لا يزال تحت السّيطرة ولكن إذا لم يتم اتخاذ إجراءات نمنع بها التظاهرات حفلات الأعراس والحفلات عموما وفرض الإجراءات الوقائية ارتداء الكمامة والتباعد الجسدي قد نصل حينها إلى ما يعرف بتسونامي كورونا".
وفي السياق ذاته، قال بن فرج: "حاليا نحن دولة في حالة شبه افلاس ولا يمكنها التعويض ..ما جعل الحكومة تلتجئ لحلول نصفية أو جزئية".
وشدد على أنّ "الحل الأنجع اليوم هو جلب التلاقيح والقيام بحملة كبرى لتطعيم أكبر عدد ممكن من الأفراد".
وأشار إلى أنه "مهما كانت جنسية اللقاح فإنه هناك دائما حماية من الفيروس بنسبة تفاوت بين 60 أو 70 إلى 90 بالمائة".
وبحسب بن فرج، فإنه يصح توصيف الوضع "بتسونامي" خاصة مع ما وقع في القيروان مؤخرا ومع وجود نسب تحاليل إيجابية مرتفعة فاقت 80 بالمائة.
وتابع: "يصعب على الدولة بناء مستشفيات في كل مكان ولكن المطلوب منها العمل بأقصى الجهود لجلب أكثر ما يمكن من التلاقيح".
**سلالات خطيرة
وحول السلالات الجديدة وخطورتها، اعتبر الزمال أن "ظهور السلالة الهندية يخيفنا ولكن في حال تطبيق الإجراءات بالشكل المطلوب سنتجاوز مرحلة الخطر وسنبقى مسيطرين على الوضع الوبائي".
وتابع: "تأتى المخاوف من السلالة الهندية نظرا لسرعة انتشارها لأن الشخص الواحد يمكن أن يعدي من 5 إلى 10 أشخاص وأن الجميع معني بها أطفالا كانوا أو رضع أو شباب".
وبحسب الزمال، فإن "الحجر الصحي الشامل هو الحل الأمثل ولكن الإشكال يكمن في إمكانية تطبيقه من عدمها".
واعتبر أن البلاد تشكو اليوم من "نقص الوعي بخطورة المرحلة وأنه يمكن مجابهة ذلك بحملات إعلامية صادمة تنبه المواطنين نبه المواطنين إلى خطورة الوضع وأنه يجب توحيد الجهود وتوجيهها لمجابهة هذا الوباء".