في خضم الجدل الذي رافق إعلان المغرب تقنين الاستعمالات المشروعة لنبتة القنب الهندي بين مؤيد ومعارض، كان بعض المغاربة يتساءلون عن المساهمة التي يمكن أن يقدمها الاعتراف القانوني بهذا النشاط الزراعي في التنمية الاقتصادية للبلاد.
وقدمت دراسة أصدرتها وزارة الداخلية المغربية حول جدوى تطوير القنب الهندي، الإجابات عن كل التساؤلات وبالأرقام، حيث استعرضت الدخل المتوقع من هذه الزراعة وفرضيات تخص مركز المغرب المنتظر في سوق القنب الهندي على المستوى العالمي، استناد إلى مجموعة من المعطيات.
بلال حموتي،، من الهواية إلى أصغر مخترع مغربي
وأفادت الدراسة الرسمية التي قدمت أمام لجنة الداخلية بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، أن الدخل الصافي للهكتار الواحد لزراعة القنب الهندي، أو "الكيف" كما يعرف لدى المغاربة، يمكن أن يصل إلى 110 ألف درهم سنويا (حوالي 13 ألف دولار)، وهو ما يمثل تحسنا بنسبة 40 بالمئة مقارنة مع أعلى مستوى للدخل الحالي.
وكانت الحكومة المغربية قد صادقت في شهر مارس المنصرم، على القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، ومنع استغلاله في أغراض ترفيهية ومضرة بالبيئة، وينتظر أن يتم تبنيه من قبل البرلمان.
ويعهد بموجب هذا القانون لوكالة (هيئة) خاصة، مهمة تدبير زراعة النبتة ومنح التراخيص للمزارعين، والحرص على تطبيق القانون بالتعاون مع السلطات المختصة والشركاء الوطنيين والدوليين.
ويطمح المغرب من خلال هذا القانون إلى استغلال الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب الهندي المشروع، وجذب استثمارات الشركات العالمية المتخصصة في استخدام هذه النبتة في الأغراض الطبية والصناعية.
وقدمت الدراسة التي أعلنتها وزارة الداخلية فرضيتين فيما يخص حصة إنتاج المغرب من السوق الأوربية بحلول عام 2028، تستهدف الأولى 10 بالمئة من إجمالي نشاط السوق، وهو ما يمثل 4.2 مليار دولار، بحصة مداخيل زراعية سنوية تقدر بحوالي 420 مليون دولار.
أما الفرضية الثانية وهي الأكثر تفاؤلا، فتستهدف 15 بالمئة من السوق، وهو ما يشكل 6.3 مليار دولار، بمداخيل سنوية تقارب الـ630 مليون دولار، وهو الرقم الذي سيمكن من تجاوز حجم إجمالي المداخيل الزراعية الحالية في المغرب المقدرة بحوالي 400 مليون دولار سنويا.
وتشكل أوروبا السوق الرئيسية بالنسبة للمغرب، نظرا لعدد من العوامل من ضمنها إمكانية التصدير وسهولة الوصول إليها، حيث تأتي اسبانيا وهولندا والمملكة المتحدة وألمانيا في مقدمة الأولويات، مع توقعات بقيمة 25 مليار دولار سنويا في سنة 2028، وهو الرقم الذي يمكن أن يرتفع إلى 42 مليارا في حال انضمام السوقين الفرنسية والإيطالية.
ويمتلك المغرب مؤهلات عديدة تسمح له باقتحام الأسواق الدولية وتحقيق إيرادات اقتصادية مهمة من القنب الهندي، من أبرزها القرب الجغرافي من القارة الأوروبية، وإمكاناته اللوجستية، والظروف الطبيعية والمناخية الملائمة لزراعة النبتة، علاوة على إلمام المزارعين بهذا النوع من الزراعة.
ويقول رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب المغربي نور الدين مضيان، إن حجم الاستثمارات في القنب الهندي وحجم الإقبال على الإنتاج المغربي في الأسواق العالمية، هو الذي يمكنه تحديد العائد الاقتصادي من هذا النشاط".
ووفق المصدر الذي تحدث إلى موقع "سكاي نيوز عربية"، يتوقع أن تصل الإيرادات إلى مليارات الدولارات، وأن تتجاوز المداخيل الزراعية الحالية.
ويشير مضيان الذي حضر الجلسة المخصصة لتقديم دراسة جدوى استخدام القنب الهندي، إلى أن المملكة تأخرت في تبني قرار التقنين، وهو ما ضيع عليها فرص استثمارية عدة، استفادت منها الدول التي سبقت المغرب إلى الاعتراف القانوني بهذا النشاط الزراعي.
وكشف عن وجود شركات دولية ترغب في الاستثمار في هذا المجال بالمغرب، ولا تنتظر سوى المصادقة النهائية على قانون الاستخدام المشروع للنبتة.
وقدرت دراسة وزارة الداخلية عدد المزارعين الذين يشتغلون في النشاط الزراعي لإنتاج القنب الهندي في المغرب، بقرابة 400 ألف شخص.
وأشار مضيان إلى أن انطلاقة العمل ببرنامج زراعة القنب الهندي لأغراض مشروعة، لن يستوعب في المرحلة الأولى كافة المزارعين، وهو ما يفرض دعم زراعات وأنشطة بديلة مدرة للدخل، في انتظار التحاقهم بالبرنامج خلال مراحل لاحقة.
ويضيف أن حزبه (الاستقلال - معارض) كان سباقا للدعوة للمطالبة بتقنين زراعة القنب الهندي في الاستخدامات المشروعة، حيث تقدم قبل 8 سنوات بمقترح قانون لا يختلف كثيرا عن المقترح الحالي، وكان من بين أهدافه رفع الظلم عن المزارعين وتحريرهم من الخوف والرعب بسبب عملهم في نشاط محظور.
ويضيف رئيس الفريق النيابي الذي قدر عدد المطلوبين للعدالة من وراء هذه الزراعة بما يفوق 30 ألف شخص، أن المستفيد من عائدات الاتجار المحظور في القنب الهندي هم الأباطرة وشبكات الاتجار في المخدرات، فيما تظل الاعتقالات والمتابعات القانونية من نصيب المزارعين البسطاء.
ويتوقع مراقبون أن يساهم تقنين زراعة القنب الهندي، في فك العزلة عن مناطق (كتامة وبني سدات وبني خالد) التي اشتهرت بزراعة النبتة شمالي المغرب، ويساهم في تنميتها الاقتصادية ويشجع على جلب استثمارات من شأنها خلق فرص عمل للشباب.
ويؤكد المحلل الاقتصادي محمد ياوحي أن المزارعين في مناطق "الكيف" يعيشون ظروفا اقتصادية واجتماعية صعبة، وأن بوسع تقنين هذه الزراعة أن يغير واقعهم ويحقق التنمية الشاملة في هذه المناطق.
ويستطرد أستاذ الاقتصاد في جامعة محمد الخامس في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "تثمين زراعة القنب الهندي محليا وجلب استثمارات في هذا المجال، ستكون له انعكاسات إيجابية على أبناء المنطقة".
واستنادا للأرقام التي تضمنتها الدراسة المنجزة من قبل وزارة الداخلية، فإن الاستخدام المشروع للقنب الهندي، بحسب المحلل الاقتصادي، لن يكون له انعكاس إيجابي على المنطقة التي يزرع بها فحسب، بل أيضا على الاقتصاد المغربي.
ويؤكد المتحدث على الأهمية التي يكتسيها التعريف بجودة المنتوج المغربي باستخداماته لأغراض طبية وصناعية، مما سيسهل عملية تسويقه على المستوى العالمي.
ودعا ياوحي إلى تشجيع البحث العلمي في هذا المجال من أجل الاستفادة من منافع القنب الهندي، عبر إنشاء وحدات أبحاث محلية وعقد شركات مع مراكز أبحاث أجنبية متخصصة في هذا المجال.