تمرّ الذكرى العاشرة لسقوط نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي (توفي في 2019) وسط إغلاق تام في البلاد بسبب تفشي وباء كوفيد-19، ما يحول دون نزول آلاف المتظاهرين إلى الشوارع كما جرت العادة في السنوات الأخيرة.
ويقول رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية علاء الطالبي: "كان من المفروض النزول للاحتجاج في شارع الحبيب بورقيبة (في وسط العاصمة التونسية) للمطالبة بالمزيد من العدالة الاجتماعية، لأن الحكومات التي تعاقبت منذ العام 2011 لم تهتم بهذا المطلب".
ويستدرك: "لكن يوم 14 كانون الثاني/ يناير سأبقى في البيت للمرة الأولى منذ عشر سنوات، لأن الأزمة الصحية شديدة ويجب اتخاذ إجراءات قوية".
وتسجل البلاد منذ أسابيع أكثر من خمسين وفاة يوميا. وحذر العديد من المسؤولين في القطاع الصحي من مشاكل في توفير أسرة الأكسجين والإنعاش في عدد من المستشفيات في المحافظات.
ودعا الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) منذ أسابيع للتظاهر والمطالبة بالتشغيل والتنمية في ولايات كبرى في البلاد على غرار صفاقس (وسط البلاد) وقفصة (غربا)، إلا أن المشاركة كانت ضعيفة وتم تأجيل بعضها.
ويشعر العديد من التونسيين بالإحباط بسبب نسبة البطالة المرتفعة والتضخم وتدهور القطاع الصحي. وفاقمت تداعيات الوباء الوضع الاقتصادي الصعب، وخسرت البلاد عددا كبيرا من الوظائف.
في 14 كانون الثاني/ يناير 2011 وبعد أسابيع من احتجاجات سلمية كانت بدأت إثر إقدام بائع الخضار المتجول الشاب محمد البوعزيزي على إضرام النار في جسده في محافظة سيدي بوزيد (وسط البلاد) المهمشة، تجمع الآلاف من المتظاهرين أمام مقر وزارة الداخلية التونسية وفي شارح الحبيب بو رقيبة، وطالبوا برحيل نظام ابن علي.
وغادر ابن علي في تلك الليلة تونس نحو السعودية حيث عاش في المنفى بضع سنوات بعيدا عن الأضواء، قبل أن يتوفى في 2019.
وتمكنت تونس، وحدها بين دول "الربيع العربي"، من مواصلة مسار الانتقال الديمقراطي، بينما دخلت الدول الأخرى إما في فوضى وغياب للأمن أو عادت إلى أنظمة دكتاتورية تحكم فيها السلطة بقبضة من حديد.
اقرأ أيضا: الغنوشي: الأزمات الاقتصادية أثرت على الحرية أبرز منجزات الثورة
"إحباط" و"فخر"
ويقول الطالبي: "يمكن أننا محبطون، ولكن هذا لا يعني أن هناك إحساسا بالندم. عشر سنوات، هذا قليل لتغيير نظام جاثم منذ عقود. يمكن أن نفتخر بالتقدم الذي حصل".
ويعلل كلامه قائلا: "أرسينا نظاما سياسيا جديدا وتوافقنا على دستور بالرغم من أنه لم يُفعّل كليّا واحترمنا آجال الانتخابات".
ويتابع: "اليوم يجب أن يكون هناك انتقال اقتصادي".
واستنفدت تونس التي يعتمد اقتصادها على المانحين الدوليين إلى حد بعيد، في الربيع الفائت برنامجا للدعم منحه صندوق النقد الدولي، من دون أن تتمكن من النهوض باقتصادها وإصلاح القطاعات الحيوية فيه.
وأثّر الوباء بصفة مباشرة على قطاع السياحة الذي يعتبر ركيزة للاقتصاد ومصدرا للعملة الصعبة، وأصبح هذا القطاع يعاني من أزمات متواصلة منذ العام 2011 إلى اليوم، وخسر كثيرون من العاملين في المنشآت السياحية وظائفهم التي كانت تعيل عشرات العائلات.
في موازاة ذلك، تعطلت أنشطة استخراج الفوسفات والنفط في ولايات مثل قفصة وتطاوين (جنوبا) بسبب الاحتجاجات والتظاهرات المطالبة بالتشغيل وتحسين البنية التحتية داخل هذه الولايات المهمشة.
في المقابل، تعيش الطبقة السياسية تناحرا وصراعات متواصلة على السلطة، ويتهمها بعض التونسيين بخدمة مصالح فئات معينة من المجتمع على حساب البعض الآخر.
وإزاء انسداد الآفاق وارتفاع البطالة، ارتفعت أعداد المهاجرين غير القانونيين من تونس في اتجاه السواحل الإيطالية وسجلت أرقاما قياسية منذ العام 2011. ويُشكل المهاجرون التونسيون أكبر عدد بين جنسيات المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا العام الماضي (حوالي 38 في المئة).
وتفيد أرقام وزارة الداخلية الإيطالية أن 12,883 تونسيا وصلوا إلى إيطاليا في العام 2020، أي قرابة الخمسة أضعاف مقارنة بعددهم في العام 2019.
ويعتبر مركز دراسات "ترانسناشونال" في أمستردام أن الحكومات التسع المتعاقبة "وجدت صعوبة في إحداث توازن بين مصالح النخبة التقليدية وباقي المواطنين المهمشين".
ويغذي الإحساس بالإحباط والخذلان بعض الحنين إلى النظام القديم، ويعمل بعض السياسيين على دعم هذا التوجه.
ويدعو "الحزب الدستوري الحرّ" الذي تترأسه المحامية عبير موسي إلى إقصاء الإسلاميين وعلى رأسهم حزب النهضة الذي يتواجد في السلطة منذ ثورة 2011، والعودة إلى نظام رئاسي قوي.
بينما يعتبر الطالبي أن "الشباب الذي ترعرع في الحرية لا يزال يؤمن بالثورة".