عند ما جلست أمامه في آخر مؤتمر صحفي ينظمه بمنزله، لم أكن أعرف بأنني أمام رئيس ظل يتجسس على الوزراء والمسئولين الحكوميين والعسكريين وحتى المعارضين، طيلة فترة رئاسته للبلد.
ظهر لنا بثوب الضحية، الذي ينتهك النظام الحالي القانون من أجل تقليم أظافره، واستعطف المواطنين قدر المستطاع، بكلام ناعم ومعسول حول عشر سنوات، من الواضح أنه يفخر بما أنجز فيها من الصالح والطالح.
اليوم خرج إلينا مدير أمن سابق، بمعلومات شديدة الخطورة، قال لي شخصيا إنه يتحمل مسؤولية التعبير عنها وإفشائها للعموم تتعلق تلك المعلومات بتجسس محمد ولد عبد العزيز على أقرب المقربين إليه وعلى المعارضين من خلال مراقبة الهواتف ومتابعة البريد الإلكتروني لكثيرين، يضيف مدير الأمن السابق أن ولد عبد العزيز كان يستمتع بمتابعة من يضعهم تحت الرقابة.
اعترف ولد عبد العزيز في مؤتمره الصحفي أمامنا، أنه واجه معارضة قوية طوال فترته، لكنه كان أقوى ويستمتع بمحاربتهم، حسب تعبيره، فهل كان التجسس على هؤلاء من ضمن الوسائل غير المشروعة التي استخدمها ولد عبد العزيز في حربه ضد رجال المعارضة، وضد ركائز حكمه لكي يأمن خيانتهم أو أي غدر قد يحصل من أحد هؤلاء مستقبلا ؟
كان الراحل اعلي ولد محمد فال من بين الشخصيات التي شددت عليها المتابعة واستخدمت في متابعتها الكاميرات، ما يجعلنا نتساءل، هل التسريبات التي سربت للمعارضين كانت من هواتفهم أم من التسجيلات التي يمتلك ولد عبد العزيز ؟
السيناتور السابق محمد ولد غده المقرب من رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، عدو الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز اللدود، كان من ضحايا التسريبات، حيث سربت تسجيلات من هاتفه تتعلق بتنسيق عمل المعارضة وتنظيم بعض المظاهرات وكذلك طرق تمويل ولد بوعماتو لنشاطات المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة آنذاك.
من غير المستساغ أن يكون رجال الأمن سربوا تلك التسجيلات من بنيات أفكارهم، واجتهاد منهم دون تدخل من أحد، مع ظهور المعلومات حول التجسس، من المؤكد أن ولد عبد العزيز كان على علم بتلك التسجيلات وربما امتلك نسخا منها وربما هو من أمر بتسريبها ونشرها لضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، المعارضة من جهة، ورجل الأعمال من جهة ثانية، وولد غد من جهة ثالثة، بوصفه أحد أكثر المعارضين إزعاجا له.
الآن أسئلة كثيرة تقفز على البال، حول هذه المعدات التي كان ولد عبد العزيز يستخدمها للتجسس على المواطنين، فقد بات من المؤكد أنه كان يفعل ذلك، من خلال شهادات كثيرين حول خلايا كانت تعمل تحت أوامر مقربين منه، وكذلك من خلال شهادة مدير الأمن المساعد سابقا.
من أين تم استيراد تلك الأدوات ؟ من كان يعمل فيها ؟ كيف تصرف النظام الحالي فيها ؟ أم أنه لم يجدها ؟ هل هي موجودة الآن عند ولد عبد العزيز؟ هل يمتلك ولد عبد العزيز نسخا من التسجيلات للوزراء المقربين منه وللمسئولين وغيرهم ؟
الكرة الآن في مرمى النظام، إذ يجب أن يكون نظام الرئيس محمد الشيخ الغزواني شفافا مع الرأي العام الوطني، وأن يكشف حقيقة ما يثار حول أجهزة التجسس التي تقول المصادر إن ولد عبد العزيز كان يستخدمها للتجسس على المواطنين.
كما أن على كل ضحايا التصنت والمراقبة الذين عملوا بذلك في وقت مبكر أو في وقت متأخر أن يقدموا معلومات حول ذلك، فهذه القضية لا يجب أن تمر بهذه السهولة دون تحقيق ومعاقبة للمتورطين فيها.
ليس من الغريب ولا من الجديد أن تتصنت الحكومات الفاسدة على المواطنين، ولا الرؤساء القمعيين على المسؤولين التابعين لهم، فقد تسابقت الكثير من الحكومات القمعية على شراء أجهزة متطورة سرا، لأجل استخدامها ضد المعارضين وضد من هم في دائرة الشك.
غير أن من جاء إلى سدة الحكم مثل الرئيس محمد الشيخ الغزواني بأغلبية أصوات الشعب، وبوعود كثيرة ضمنها برنامجه “تعهداتي” يجب أن يكون من أبرز أولوياته وضع قطيعة مع الممارسات الشائنة التي كان سلفه يقوم بها دون مراعاة للأخلاق والقيم وحقوق الآخرين.
السالك زيد – صحفي