رغم صمود تونس في الحفاظ على لقب "أيقونة الربيع العربي" دون سواها من دول المنطقة طوال العشرية الماضية، غير أن ارتفاع معدلات الجرائم مؤخرا أثار غضبها ومخاوفها، وفق مراقبين.
وارتفعت مؤخرا وتيرة حوادث العنف والاغتصاب والسطو المسلح، لتسحب بساط الاهتمام الإعلامي المحلي والدولي من داخل أروقة السياسة إلى عالم الجريمة.
وفي 25 سبتمبر/أيلول الماضي، اغتصبت فتاة تدعى "رحمة لحمر" قبل أن يتم قتلها والتمثيل بجثمانها في منطقة "عين زغوان" بالعاصمة، في جريمة أثارت غضبا عارما في البلاد.
وعزا خبيران في علوم النفس والاجتماع، للأناضول، أسباب ارتفاع معدلات الجرائم في تونس مؤخرا إلى اختلال منظومة القيم وتنامي أنماط العنف الافتراضي وتغيير النمط الاستهلاكي في البلاد.
وتتعهد الحكومة التونسية مرارا بإجراء تحقيقات تتسم بالشفافية لتحقيق العدالة الناجزة ومعاقبة الجناة في مختلف الجرائم.
** العنف الافتراضي
واعتبر المختص في علم النفس عبد الباسط الفقيه، أن "تسليط الأضواء على مثل هذه الحوادث المتكررة والاعتيادية أحيانا في جميع المجتمعات، هو السبب في تضخيمها على هذا النحو".
وقال الفقيه للأناضول إن "الإحصائيات تظهر ارتفاع وتيرة العنف مؤخرا لكنها لا تزال في حدود طبيعية دون انفجار".
وعزا الفقيه أسباب تنامي معدلات الجريمة إلى عدة أسباب أبرزها، "ضعف روابط العلاقات العائلية، إضافة إلى الانقطاع المبكر عن الدراسة".
وأضاف: "تمثل البطولة لدى المنحرفين في عدة أعمال درامية تبثها التلفزة التونسية، من بين الأسباب، فيعتبر المنحرفون أنفسهم أشخاص مميزين ومختلفين".
وزاد الفقيه قائلا: "أغلب الشباب، سيما في مراحل المراهقة، باتوا ضحايا ظاهرة العنف الافتراضي عبر الألعاب والتطبيقات الإلكترونية دون رقيب".
ولفت إلى أهمية التركيز على الأنشطة الثقافية والاجتماعية للشباب ونشر ثقافة الحقوق والواجبات، للحفاظ على التوازن النفسي والتربوي للنشء في تونس.
ودعا الفقيه السلطات التونسية إلى تشديد الرقابة على الأعمال الدرامية والفضاء الافتراضي والمؤسسات التعليمية، لخفض معدلات العنف وتقويم الأطفال منذ الصغر.
** جيل جرائم جديد
بدوره، حذر الباحث في علم الاجتماع محمد الجويلي، من خطورة خلق جيل جديد من الجرائم لا يعد قاصرا على ذوي الخبرة في الإجرام.
وأوضح للأناضول: "النطاق الزمني بين وقوع شجار بسيط وارتكاب جريمة قتل بات قصيرا جدا، ما يحمل دلالات سلبية تدعونا إلى البحث والتدقيق في الأسباب".
وتابع الجويلي: "بجانب الأسباب التقليدية كالبطالة والتهميش والفقر، يعد تغيير النمط الاستهلاكي للمجتمع مؤثرا بصورة كبيرة على تنامي ظواهر العنف في تونس".
وأضاف: "تراجع مؤسسات التنشئة الاجتماعية، مقابل تقدم الثقافة الاستهلاكية يدفع بعض الأفراد إلى ارتكاب الجرائم من أجل الحصول على متطلبات الحياة".
وطالب الجويلي بضرورة إعادة الاعتبار إلى المنظومة الأمنية في ضبط إيقاع الحياة المجتمعية، وخلق خطاب سياسي متزن ومطمئن للمواطنين.
ووفق تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (خاص) لعام لسنة 2019 ارتفعت حوادث الاغتصاب لتسجيل 1500 حالة سنويا، مقارنة بـ800 حالة سنويا وفق أحدث إحصاء لوحدة الطب الشرعي بتونس.
ويظل الحراك التونسي نموذجا رائدا في المنطقة عقب استكمال الاستحقاقات الدستورية واكتمال مؤسسات الدولة، في ظل حالة الفوضى والاحتراب التي يعيشها العديد من دول المنطقة، عقب ثورات الربيع العربي عام 2011.