في لحظات فاصلة من التاريخ تشاء الأقدار أن يبرز من الواقع العادي جداً ما هو فريد وغير اعتيادي. هذا تماما هو حال محمد ولد بوعماتو الرجل العصامي الذي استطاع أن يشق طريقه بنفسه ويتربع على عرش ريادة المال والأعمال (entrepreneurales) في موريتانيا ومنها إلى العالمية، فكوّن من خلال مساره الحافل بالإنجاز والنجاح شبكة علاقات إقليمية ودولية وأحاط نفسه بأكثر الخبراء اختصاصا (la competance)، أولئك الذين كان لهم بليغ الأثير في إنشاء صرح عالم أعماله الجميل.
بيد أن قيمة شخصية كمحمد ولد بوعماتو ليست محصورة فقط في ريادته للأعمال في بلد ما زال القطاع الخاص فيه يحبو، بل هي تتجاوز ذلك إلى تعدّد جوانب علاقاته ومستواها الرفيع، وكذلك إسهامه الشجاع في الاهتمام بالشأن العام والتدخل فيه على النحو الذي تقتضيه المصلحة الوطنية.
يضرب ولد بوعماتو مثالاً استثنائياً من هذه الناحية تحديداً.
فهو وعلى غير عادة رجال الأعمال لم يتقوقع على ذاته ويستنكف لمصالحه فقط، إذ قد أظهر بشكل مبكر اهتماماً منقطع النظير بما يجري على الساحة الوطنية من وقتٍ لآخر وكان مناصراً دائماً للقضايا الكبرى وداعماً لها.
من المعروف أن جميع الدول في تاريخ تطورها وتدشينها عهد نهضتها لا بد لها من مواكبة من رجال أعمالها الرياديين، لأنهم يستجلبون لها المشاريع الكبرى، ويدعمون سياساتها الإصلاحية، ويساعدون في التخفيف من أثقال الضغط الاجتماعي والاقتصادي عليها بتوفيرهم لعدد من الحاجات وتشغيل قطاع عريض من السكان.
ففي تاريخ كل دولة - أمة (Etat-nation) هناك دوماً رجال أعمال يحظون بدور أساسي عند المشاركة في عملية البناء والتقدم، خصوصا من زوايا توسيع عملية التنمية وتنويع القطاعات الاقتصادية للبلد، والمساهمة في خلق فرص للإنتاج والعمل فيه، وكذلك تكوين علاقات تبادلية مع نظرائهم في الخارج.
ونحن، في بلادنا، تمتعنا برجال أعمال رياديين، كمحمد ولد بوعماتو، ساهموا في مراحل فاصلة من تاريخنا في خدمة الوطن وقطاع الأعمال فيه.
بالتالي ينبغي التأكيد على أهمية دور رجل الأعمال في اللحظات المفصلية من مسيرة بناء بلاده، ولعل ذلك ما يمكن التمثيل له بجهود رواد الأعمال الأوائل في بداية نشأة دولتنا، واستئناف تلك الجهود لا حقا على يد أمثال محمد ولد بوعماتو، الذي استطاع في مرحلة من تاريخنا أن يستئنف تلك الجهود ويرتقي بها من خلال انتشال القطاع الخاص من مهاوي التردي والدّفع به إلى تحقيق الغاية المنشودة منه.
وبما أنه قد اتضح من خلال ملامح النظام الجديد عزمه وإصراره على غربلة شاملة لاختيار الأكفاء من أبناء البلد والمقتدرين على التسيير والقيادة بنزاهة وشفافية سواء كان ذلك في القطاع المدني أو العسكري، وبعد أن بات واضحا للعيان السعيُ الصادق والعملي لإنشاء اقتصاد وطني قوي ومنافس، من أمثلته:
إنشاء مجلس أعلى للاستثمار، إصلاح العدالة، محاربة البيروقراطية، تفعيل حوكمة وشفافية المشاريع والصفقات، وبما أن أي اقتصاد ليبرالي يعتمد بالأساس على القطاع الخاص، فحريا بنا - وبالخصوص أهل القطاع أنفسهم
- الوقوف وإعادة التقييم وتشخيص وطرح مقترحات بناءّة للنهوض بقطاعهم وبالبلاد.
إذن من المؤسف أنه وبعد ما يزيد على نصف قرنٍ من الاستقلال لا يوجد في موريتانيا الآن ما يمكن تصنيفه بالقطاع الخاص، رغم محاولة الآباء المؤسسين للدولة ومواكبتهم وتكوينهم وإرشادهم لطبقة التجار في تلك الفترة للارتقاء بهم إلى مصاف رجال الأعمال، وعلى الرغم من شح الموارد وقلّتها فإنهم قد نجحو - نسبيا - في ذلك، قبل أن يخيّم التقهقر في الفترة الماضية على القطاع بشكل واسع غاب معه وضوح الرؤية في تعامل النظام مع القطاع نتيجة الارتجالية وعدم الشفافية.
لذلك يمكننا القول بكل صراحة وصدق أنه لم يوجد بعد الجيل الأول من أرباب العمل في البلاد (رحم الله من توفى منهم وأطال عمر البقية) من تكمن فيه مواصفات رجل الأعمال الحقيقي سوى السيد: محمد ولد بوعماتو، وبما أنّ الوطن بحاجة إليه والفرصة سانحة اليوم والضرورة ملحة لإصلاح القطاع الخاص، فإننا ندعوه بشكل شخصي إلى العودة إلى وطنه وأهله وأحبته، ونطالب الحكومة بتسريع وتسهيل إجراءات عودته بل وانتخابه على رأس أرباب العمل ومنحه عضوية في المجلس الأعلى للاستثمار كممثل عن القطاع الخاص للاستفادة من خبرته وعلاقاته، وليكون شريكا فعليا للحكومة من أجل غربلة وإعادة هيكلة القطاع الخاص للعودة به إلى مساره الصحيح.
إبراهيم ولد محمد السالك