هي ليست عقارب الساعة، بل عقارب سم جديد يطل بالقارة السمراء على نغمة الكبار وعنفوان الجسارة التي تملكها رواة الحدث بكأس إفريقيا الأخيرة بمصر . طبعا يثيرني هذا المنتخب الذي انفجرت أوثاره من دون استئذان قبل وأثناء كأس إفريقيا الأخيرة وما قدمه من صراع كبير ناضل من أجله للوصول إلى أول حدث في تاريخه الكروي،
وما جسده على الأرض عندما بهدل المنتخب التونسي وكاد يرسله إلى موطنه في آخر مباريات المجموعة قبل أن يقصى المرابطون برأس مرفوعة ويحظ قاتل من فرص لا يهدرها حتى ناشئو الكرة. وسم هذا المنتخب غير الخبير بالحدث القاري ربما يأتي هذه المرة بوصفة سم أقوى للعودة للعرين الإفريقي من بوابة المغرب وبورندي وإفريقيا الوسطى ولو أنه تمتع في السابق بقوة السيطرة على المجموعة عندما تأهل قبل نهاية المشوار بجولة واحدة.
صحيح أن المنتخب الموريتاني قدم الدليل القاطع على أنه أحدث ثورة كروبة في البلاد قبل عامين، استطاع من خلالها الشعب الخروج عنوة حاملا كل شيء للمناصرة التي لم يألفها على الإطلاق في تاريخه، لأنه تعود على الإقصاء قبل أن يكون اليوم أمام حقيقة واقعية وقصة تروى بالواضح لا بالمرموز كون منتخب بلاده منحه تأشيرة العبور الى مصر. وحتى عندما كتب المرابطون ثلاث مباريات من أنواع مختلفة الصور والحضور من هزة الخسارة أمام مالي وتعادل كبير من أنغولا وتعادل أخير من تونس بطعم العلقم في مباراة حالمة كادت ترسل تونس الى زنزانة الشؤم، خرجوا من الأهرامات مرفوعي الرأس والهامة لأنهم فشلوا في التأهل التاريخي الثاني، ولكنهم شربوا كؤوس النخوة التقديرية من شعوب العالم.
واليوم، يكون المرابطون أمام حلقة ثانية من رصد بداية الإقصائيات الجديدة والمؤدية إلى كامرون 2021، حلقة يؤشر عليها الناخب مارتان ببصمة إعادة النسخ من جديد للتأهل المباشر أيا كانت الصعوبات لكون مجموعة المغرب وبورندي وإفريقيا الوسطى ليست بمقاس مجموعة 2017 التي واجهوا فيها بوتسوانا وبوركينافاسو وأنغولا وانتزعوا التأهل السهل. وإعادة النسخ في نظر مدربهم الذي نال العلاوة الثمينة على مقاصده واجتهاده، لبس مجرد كلام، بل هو أٌقوى من ذلك لأنه عبر في وقت سابق من أن الوصول إلى الكان لا بد أن يكون بشكل قتالي ولبس بالسهولة التي يعتقدها البعض. إذ الوصول إلى الكان بالكامرون لا بد وأن يكون مضاعفا بالقدر الذي يكون فيها الدوليون بأقوى شراسة في ربح النقاط أيا كان مصدرها، لأن ما يهم هو التأهل وبعدها يأتي التدبير الآخر للحدث.
وعندما يتحدث المدرب الجديد على القارة السمراء بهذه اللغة الصارمة مع منتخبه الذي تربى سابقا على النوم الثقيل في الإقصاء الدائم قبل أن يرسم معه الإنتفاضة التي لم يألفها شعل موريتانيا على الإطلاق، إنما يمرر الرسائل الجوهرية للخصوم من أجل الحيطة والحذر لأنه قادم بكل وصفات الزحف على صدارة التأهل ولو كان ذلك حتى على حساب المغرب المعني الأول في أول نزال مخالف عن كل الأزمنة التي كان فيها المرابطون خارج عن السياق والسباق معا. ولذلك يرى المدرب الفرنسي مارتان نفسه في المرآة مجددا من أجل تكرار سيناريو العودة إلى الـ«كا»ن بكل المواصفات القتالية.
ويدرك الناخب أيضا أن أسود الأطلس وفي هذه اللحظة بالذات من التقاعس والخذلان يشكلون في نظره المعبر الكبير لإستهلال البداية على نحو جيد بحكم مشاكله التقنية والبشرية وحتى الرأي العام المغربي الذي أبدى استهجانا بكل الأحداث التي مر منها على مستوى عدم الاطمئنان على التشكيل وعلى النتائج المخيبة حتى في إطارها الودي. ولذلك يرى مارتان أن مفاجأة المنتخب المغربي في عقر داره ستكون محطة رائعة وفي أول إنطلاق للمرابطين من أجل مواصلة المشوار على أفضل وجه. والمرابطون أساسا وإن كانوا يتمتعون بقدرة الإحتراف في أضعف الأندية الأوروبية ومن الدرجات الدنيا، فقد وظفوا أقنعتهم بمصر بنفس الشراسة وبدوا وكـأنهم يلعبون بفرق عملاقة. والحالة هاته أن المرابطين لا زالوا يحتلون هذه الهالة لأنهم ظلوا فوق السحاب ويواصلون نفس نغمة الروح والقتالية من العودة إلى الكان.
في النهاية، المرابطون لا يمزحون، فهم قادمون بنفس الجسارة وبالأسود متربصون في أول خطة لإكتشاف اللسعة على خصم من عيار ثقيل.
محمد فؤاد