زينب بلعمش
دأب المجتمع المدني الموريتاني ككل، وخاصة المدافعون عن حقوق المرأة، و في كل مرة تظهر حالة اغتصاب، على تكثيف الضغط على الدولة من أجل سن قانون حاسم و رادع، فبدون وجود مادة في القانون الموريتاني تنزل أقصى العقوبات بالجناة ستظل هذه الممارسات بل و ستتفاقم، كما تشير إلى ذلك إحدى المنظمات التي تعمل في مجال الدفاع عن ضحايا الاغتصاب و هي منظمة ” صحة الأم و الطفل” و تؤكد منظمة صحة الأم و الطفل على أن 90 % من حالات الاغتصاب لا يبلغ عنها، وذلك بسبب وجود عدة عقبات مؤسسية و قانونية و اجتماعية تحول دون إبلاغ الشرطة عن حوادث الاعتداء الجنسي ومعاينة الجناة، منها كون المجتمع يضع اللوم على الفتاة و على أهلها بدل محاسبة الجاني.
و الأدهى أنه في السنوات الأخيرة هو وقع ضحايا الاغتصاب من القاصرات، فمنذ ثلاث سنوات اهتز المجتمع لأبشع حادثة اغتصاب تعرضت لها الطفلة زينب، و هي لم تتجاوز العاشرة من عمرها، في طريق عودتها من المحظرة، عندما أقدم الجناة على حرقها بعد اغتصابها.
في سنة 2016 أيضا أقدم أجنبي من جمهورية مالي على اغتصاب ثلاث فتيات من بينهن طفلة، و توالت الحوادث من هذا النوع، و أبشع تلك الحوادث التي هزت المجتمع، ما تعرضت له الطفلة وردة، و هي طفلة لم تتجاوز ربيعها السابع.
الحادثة كما يرويها والد الطفلة حدثت في الثاني من دجمبر 2018، ويقول والد الطفلة (اعمر دحمد و يبلغ من العمر 43 سنة) إنه خرج صباحا من منزله بالعاصمة الاقتصادية “نواذيبو” و كان يوما عاديا بالنسبة له و لأسرته البسيطة، حيث اعتاد أن يذهب إلى العمل و يذهب أطفاله إلى المدرسة، ولكنه هذه المرة وبالتحديد عند الساعة الحادية عشر صباحا تلقى اتصالا من زوجته التي كانت تصيح و تنتحب، أخبرته فيه أن فلذة كبدهما وردة التي تبلغ من العمر سبع سنوات، قد تم اغتصابها. أظلمت الدنيا في عينيه وجعله وقع الفاجعة يتسمر في مكانه غير قادر على فهم ما يجري، مصدوما من هذا الخبر وهوله.
يقول عمر دحمد إنه حين وصل إلى المنزل كانت ابنته وردة ملطخة بالدماء في حضن أمها، بينما كانت الأم في حالة يرثى لها، أما هو في ذلك الوقت “فالله وحده يعرف كيف كانت حالته” كما يقول.
وكيف يستوعب ما حدث إذ أن كل ما كان يعرفه هو أن ابنته اتجهت في الصباح إلى المدرسة كالعادة، ولم يكن يتوقع أنها حين تخرج وقت الراحة إلى الدكان المجاور للمدرسة عائدة إلى المنزل سيختطفها ذلك الجاني تحت التهديد بالقتل، و يدخلها إلى المكان الذي يعمل فيه كحارس، ليقوم بجريمته البشعة والشنيعة.
الطفلة تعاني من أضرار جسدية و صدمة نفسية -حسب والدها- و تحتاج إلى الاستمرار في العلاج.
قام والد الطفلة على الفور بالإبلاغ عن الاعتداء الذي استهدف ابنته. و قادت التحقيقات الأولية إلى متهم واحد و هو رجل خمسيني عسكري متقاعد يعمل حارسا لمرآب سيارات تابع لشركة خاصة قرب المدرسة، التي تدرس فيها وردة، و قد ألقي عليه القبض فعلا و هو في انتظار المحاكمة.
و كما هي العادة في موريتانيا توالت الضغوط و الوساطات على عمر دحمد من أجل تسوية الملف بعيدا عن القضاء، و لكنه رفض هذه المبادرات والاقتراحات كلها، فهو كما يقول لا يريد سوى تطبيق العدالة في المجرم الذي اغتصب ابنته، و لن يقبل أي تسوية، لأن حالة الصدمة التي تعرض لها لما أصاب ابنته لن يخففها، حسب تعبيره، إلا أن ينال الجاني عقوبته، و يصير عبرة لكل من تسول له نفسه القيام بفعل مماثل.
ما أثار المجتمع فعلا في هذه القضية هو تباطؤ القضاء في البت في القضية، فبعد محاكمة أولية جرت في الثالث من يوليو الماضي لم تصدر المحكمة الجنائية بانواذيبو أي حكم، بل تم تأجيل الحكم إلى ما بعد العطلة القضائية، و تم تكليف قاضي جديد لتعميق التحقيق، ثم رشحت معلومات تفيد أن القاضي عين طبيبا نفسيا للكشف عن حالة المجرم النفسية، وهذه النقطة بالذات أثارت المتضامنين مع الضحية و أسرتها، فتوالت بيانات المساندة والمطالبة بالإنصاف، وتم توقيع عرائص تطالب بالعدالة لوردة في داخل مدن البلاد وفي نواكشوط.
هذه الحادثة نكأت الجراح السابقة، و ذكرت المجتمع الموريتاني بتلك الحالات الآنفة الذكر، فارتفعت الأصوات المطالبة بسن قانون رادع لجريمة الاغتصاب، لا سيما في مجتمع ما زالت تتم فيه تسويات مثل هذه الحالات بين العائلات أو القبائل ومما يفاقم هذه الوضعية هو غياب الإطار القانوني الذي يضبط هذه الحالات ويكيفها، وفي انتظار سن ذلك القانون ستظل الفتيات و الأطفال يدفعون الثمن وتظل الأسر تعاني من انعكاسات هذه الظاهرة المقيتة..
تقدمي