في مستشفى خاص بمنطقة البحيرة، شمال تونس العاصمة، خصص جناح بأكمله لجرحى ليبيين أصيبوا خلال المعارك الدائرة على أطراف عاصمة بلدهم، طرابلس.
يكتنف المكان شيء من السرية، ويصرّ المتحدثون على عدم الكشف عن هوياتهم، عدا كونهم من قوات موالية لحكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا.
يقول مصعب، وهو إسم مستعار، إنه أُجلي إلى تونس، مع عشرات آخرين، بعد إصابته بشظايا جراء قصف عشوائي من قوات القائد العسكري ذي النفوذ الواسع في شرق ليبيا، خليفة حفتر.
ولا يُعرف عدد الجرحى الليبيين الذين يتلقون العلاج في تونس. لكنّ مصادر عدّة أكّدت أن عمليات الإجلاء لا تزال مستمرة.ويحذر أحمد، وهو أيضا إسم اخترناه لجريح آخر، من أن المراكز الصحية في ليبيا قد تعجز عن تلبية حاجيات المصابين إذا استمرت المعارك.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد ذكرت، الأسبوع الماضي، أن عدد قتلى المواجهات، التي اندلعت في 4 أبريل/ نيسان الماضي قد ارتفع إلى 434 قتيلا ونحو 2100 جريح.
حالة تأهب
عند معبر رأس الجدير الحدودي بين تونس وليبيا، يبدو الوضع عاديا، بالرغم من أن الجانب التونسي رفع حالة التأهب إلى أعلى مستوياتها.
ومنذ شن حفتر هجوما على طرابلس، دفعت تونس بتعزيزات عسكرية وأمنية ومددت العمل بحالة الطوارئ.
ويرى المحلل السياسي، طارق الكحلاوي، في حديث لبي بي سي، أن تونس "تواجه مخاطر جمّة، خاصة بعد الانقسامات الحادة التي شهدها الغرب الليبي".
وأوضح الكحلاوي أن الجماعات المتشددة قد تستغل وضع المعارك الجارية في طرابلس لإعادة الانتشار والسيطرة على مناطق بعينها.
وبين البلدين خط حدودي يبلغ طوله نحو 500 كيلومتر، وهو ما يضع تونس أمام تحديات كبيرة في هذا الإطار.
"على نفس المسافة"
وقال الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، اليوم إن بلاده "تقف على نفس المسافة من الجميع وليس لديها أية أجندة في ليبيا سوى عودة الوئام والأمن والاستقرار"، مضيفا أنه "لا مصلحة لتونس إلا في أن تسترجع ليبيا عافيتها وتستعيد مكانتها الطبيعية وتحافظ على وحدتها".
ويشير المحلّل السياسي، طارق الكحلاوي، إلى أهمية السياق الإقليمي، إذ اعتبر أن "تونس لا يمكن أن تتحرك من دون قراءة لموازين القوى"، في إشارة إلى لعبة المحاور بين الدول العربية، بالإضافة إلى ما يرى أنه صراع إيطالي فرنسي في ليبيا.
ويبقى سيناريو عام 2011 هاجسا للسلطات في تونس، حيث استقبلت البلاد حينها أكثر من مليون لاجئ قدموا من ليبيا، بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالزعيم الراحل، معمر القذافي.
ويذكّر المحلل السياسي، طارق الكحلاوي، بأن الأزمة في الجزائر تساهم في تعقيد أي دور من شأن دول الجوار أن تلعبه في ليبيا.
وتراقب السلطات المحلية الوضع في الجار الشرقي أكثر من أي وقت مضى، مع مساع لجمع دول الجوار خلال الأيام القليلة المقبلة، بهدف خفض مستوى الاحتقان، على الأقل.
بي بي سي عربي