على غير المعتاد في مثل هذا الوقت من كل عام، تبدو الأسواق التجارية الفلسطينية شبه خاوية، وسط تراجع ملحوظ في القوة الشرائية، تزامنا مع صرف الحكومة أجزاء من رواتب الموظفين العموميين، للشهر الثالث على التوالي.
ومنذ الأسبوع الأخير قبل رمضان من كل عام، حتى نهاية عيد الفطر، تنشط الأسواق التجارية المحلية، وتتسم بزيادة في القوة الشرائية، وحركة كثيفة للمواطنين داخل الأسواق.
إلا أن أزمة الرواتب التي بدأت نهاية فبراير/ شباط الماضي، دفعت المستهلك الفلسطيني لإعادة ترتيب أولوياته الإنفاقية، بما يتلاءم مع الدخل الفعلي.
وأقرت إسرائيل العام الماضي، قانونا، يتيح لها مصادرة مبالغ من الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية، بدعوى أن هذه المبالغ مخصص للأسرى وعائلات الشهداء، وبدأت بتنفيذه في 17 فبراير/ شباط الماضي، حيث تخصم شهريا 11.3 مليون دولار.
وتعد أموال المقاصة الفلسطينية، المصدر الرئيس لفاتورة أجور الموظفين، وبدونها لن تتمكن الحكومة من الإيفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين والمؤسسات.
وردا على القرار الإسرائيلي، رفض الحكومة الفلسطينية تسلم أموال المقاصة منقوصة، ما أدخلها في أزمة مالية خانقة دفع بها لتكثيف الاقتراض من البنوك، والتوجه نحو الدول العربية لتوفير السيولة.
تجار في الضفة الغربية، عبروا عن امتعاضهم من تردي الحركة التجارية، ونفس الأمر لدى موظفي القطاع العام، الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن تلبية الاحتياطات الأساسية، مع الرواتب الفعلية المصروفة.
الأسبوع الماضي، صرفت الحكومة الفلسطينية 60 بالمئة من رواتب موظفيها عن شهر أبريل/ نيسان الماضي، سبقها صرف ما يصل إلى 50 بالمائة عن شهري مارس/ آذار وفبراير/ شباط السابقين.
وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال ترؤسه الجلسة الأسبوعية للحكومة الجديدة الإثنين من الأسبوع الماضي، رفضه استلام الأموال الفلسطينية منقوصة.
أشار أن إسرائيل "تحاول شرعنة الخصومات المالية، من أموال الضرائب، بكل الوسائل".
والأحد من الأسبوع الماضي، كشفت مصادر صحفية إسرائيلية، أن السلطة الفلسطينية رفضت تسلم مبلغ 183 مليون دولار حولتها إسرائيل عبر البنوك الفلسطينية، وطلبت السلطة أيضا من البنوك إعادة تلك الأموال.
** حملات تجارية
في سوبر ماركت "الشني" الذي يعد واحدا من أكبر المحال التجارية في مدينة رام الله وسط الضفة العربية، تبدو الحركة التجارية أقل بكثير من الأيام العادية.
وأطلق القائمون على "سوبر ماركت الشني" حملة أسموها "نص الراتب معك ونص السعر علينا"، وهي واحدة من الحملات التي أطلقتها عدد من المتاجر الفلسطينية.
مروان ربايعة، المدير التجاري لسوبر ماركت "الشني"، قال لمراسل الأناضول، "هناك قلق لدى المستهلك جراء صرف جزء من راتبه، لا يوجد بعد أفق لنهاية الأزمة المالية، انعكس سلبا على الحالة التجارية في البلد".
وتابع: "نقدم في متجرنا نحو 7 آلاف صنف من السلع الاستهلاكية، ويلاحظ أن الموظف يقبل على شراء الحاجات الأساسية فقط".
وزاد: "الأزمة المالية للحكومة الفلسطينية الناجمة عن الخلاف المالي مع الجانب الإسرائيلي، انعكست على كل مفاصل الحياة".
بدوره عبر التاجر زاهي عبيد (صاحب متجر بيع مواد غذائية وسط رام الله)، عن قلقه من استمرار الازمة المالية.
وقال: "شهر رمضان موسم تجارة لا يكرر إلا مرة كل عام، الأزمة المالية انعكست سلبا على التجار منذ اليوم الأول.. صرف 60 بالمئة من رواتب الموظفين لا تفي بالحد الأدنى للعائلة".
** جزء من الراتب لا يفي
بدوره قال صهيب عطاير (موظف)، للأناضول: "ليست المرة الأولى نتعرض فيها لهكذا حالة، متوقع من الاحتلال القيام بهذه الخطوات في أي وقت".
وأضاف: "نحن في موسم تكثر فيه المصاريف، وأنصاف الرواتب لا تفي باحتياجات العائلة".
ولفت "عطاير" إلى أنه وضع خطة لترتيب أموره المالية، وخاصة في شهر رمضان، تتمثل بالاقتصاد في المصاريف وبكمية الطعام، وشراء ما يلزم فقط".
واشتكى محمد زايد (مدرس) من ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وقال: "نعاني من أزمة مالية ناجمة عن صرف جزء من الرواتب، في المقابل هناك ارتفاع غير معقول في أسعار المواد الغذائية".
وتابع: "هناك بعض الحملات وتخفيض في أسعار منتجات، لكن المواد الأساسية أسعارها شبه ثابته ومرتفعة".
"أنصاف الرواتب لا تحل أزمة، هي فقط للعيش بالحد الأدنى من مقومات الحياة، استمرار الأزمة يعني عدم قدرة الموظف على توفير لقمة عيش عائلته".
من ناحيته قال سامر كميل (موظف)، بينما كان يشتري بعض المستلزمات، :"تم اقتصار قائمة حاجات المنزل بحسب الراتب، لا يمكن شراء كل شيء".
وقال: "استمرار الأزمة المالية يعني تكبد الموظف ديونا تتراكم يوما بعد يوم.. ماذا تفعل 60 بالمئة من الراتب، نصفها يذهب لسداد قرض بنكي وما تبقى لا يفي بشراء الحاجات الأساسية".
الأناضول