الحلقة الأولى:
دور الجمعيات الأهلية في التطوير والتنمية:
- يعد التعليم الضمان الاجتماعي الحقيقي لأي مجتمـع ، والعنصر الأساسـي لتحقيـق التنمية ، بل ويعد من أهم الأدوات التي من خلالها تستطيع الدولة أن تواكب حركة التقدم التكنولوجي الحادثة فـي العالم المعاصر؛ فهو يساهـم بطريـق مباشـر أو غيـر مباشـر فـي تقريـر وتدعيـم الإمكانات البشريـة المؤهلة والمدربة للقيام بإمدادها فـي عملية التنمية البشرية ، وبذلك يعد التعليم الجامعي المنبع المتجدد لتخريج تلك الكوادر البشرية في مختلف ميادين الإنتاج والاستثمار والخدمات للبناء معا .
من هذا المنطلق فإن التعليم بكافة مراحله في حاجة دائمة إلى تطوير مناهجه وأساليبه وآلياته ؛ لكي يواكب أحدث ما يجري في هذه المجالات بالخارج. إلا أن معظم السياسات الراهنة تجاه التعليم الجامعي لا تمثل سوى محاولة لتوفيق أوضاعه مع الظروف الاقتصادية المتردية، والتي تشهد صعود نجم القطاع الخاص وتألقه في سماء الاقتصاد الوطني، كما أن هذه السياسات تضفي ـ في الواقع ـ إلى مزيد من التدهور في مواصفات العملية التعليمية ، وتمثل تراجعاً عن مسؤوليات وطنية أساسية تضر كثيراً بالمستقبل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لمجتمعاتنا.
وفي ضوء هذه الحقيقة المؤلمة ، وفي ضوء انتقال المجتمعات الإنسانية الآن من الموجة الصناعية– الثانية – إلى الموجة المعلوماتية التكنولوجية – الثالثة - فإن هناك ما يبرر التخلي عن هذه السياسات التعليمية النمطية والتوجه إلى سياسة تعددية، ومن ثم فإن هناك مساحة متاحة ومتزايدة للمنظمات غير الحكومية لوضع سياسات تعليمية متنوعة موضع التنفيذ.
وهنا يظهر دور الجمعيات الأهلية – كمنظمات غير حكومية – بشكل متزايد في تطوير السياسة التعليمية، إما بشكل إصلاحي من داخل المؤسسة التعليمية نفسها، أو بشكل راديكالي من خارجها. ويقيناً فإن هذا التغيير – عبر الاستثمار أو النشاط الأهلي – لن يكون في اتجاه واحد؛ وإنما سيكون في اتجاهات متعددة. ويظهر هذا الدور بوضوح لتلك الجمعيات الأهلية التي تمتلك رؤية شاملة لسياسات تعليمية بديلة، والتي ترى أن تغيير السياسات التعليمية هي جزء من منظور أشمل لتغيير المجتمع كله.
فالتعليم باعتباره منظومة اجتماعية فرعية من البنية المجتمعية الكلية، لم يكن ولا يستطيع أن يكون بعيداً عن التحولات التي تصيب المجتمع، بل وترتبط مسيرة التعليم بمسيرة المجتمع، ودائماً ما يسير التعليم خلف المجتمع، ويعيد إنتاج الحياة فيه. ولما كان التعليم مرآة المجتمع فلابد من ظهور دور للجمعيات الأهلية في تطوير سياسة التعليم الجامعي.
ويمكن تعريف الجمعيات الأهلية بأنها : مجموعات نشطة من الكوادر البشرية ، لها أهداف جزئية - بعيداُ عن تحقيق الربحية - تريد أن تحققـها مـن خـلال وسائـل محددة ، تتمثل في تكوين نشاط اجتماعي منظم .
وقد ينحصر دور الجمعيات الأهلية ويقتصر علـى محـو الأمية فقط ، إلا أن هـذا الدور من الممكن أن يتجاوز فكرة محو الأميـة ويرتقي إلى المُعلم نفسه ، وذلك من خـلال إقامة دورات تدريبية للمُعلِّمِين الذين يُشكّلون قطاعاً كبيراًمؤثراً بالمـؤسسات التعليمية ، كما أن هناك مدخلاً يمكن من خلاله تفعيل دور الجمعيات الأهلية ، وهو أن تعمل هذه الجمعيات تحت إشراف الدولـة لخلـق برامـج تعليميـة متطورة ؛ إذ إن انخراط الجمعيـات الأهليـة - أو ما يسمى المنظمات غيـر الحكـومية – فـي عمليـة المشاركـة الاجتماعية بـوجـه عـام والسياسة التعليميـة بوجـه خـاص ليس دائماً ، بل يتـوقف على عوامل كثيـرة منها قـدرة الـدولـة علـى احتـواء أنشطـة هذه المؤسسات وممارستها، أو الحد منها، أو حتى قمعها. بل إن المنظمات غير الحكـوميـة قد تلقـى التشجيـع بدرجـة ما من جانب الـدولة باعتبار أنها تمثـل قنـوات لتطـويـر السيـاسات التعليمية .
وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى أن هناك ثلاث صعـوبات يمكن أن تقف عقبـة أمام عمل المنظمات غير الحكومية ، تتمثل فيما يلي:-
أولاً : - التمويل : حيث إن الجمعيات الأهلية لا تستطيع أن تقوم بكثير من الأعمال انطلاقاً من تمويل محلي، خاصة وأنها جمعيات لا تهدف إلى الربح .
ثانياً : - التدريب ورفع كفاءة أعضاء مجالس الإدارات : فهناك كثيـر من أعضاء مجالس الجمعيات لا يعلمون شيئاً عن العمل الأهلـي وما هـي الأهـداف التـي يسعـى إلى تحقيقها، وكل ما في الأمر أنهم أفرادٌ يريدون أن يجعلوا لأنفسهم حظوة، فشكلوا جمعيات، وصاروا رؤساء مجالس إدارتها، وجعلوا من الأحباب والجيران أعضاءً.
ثالثاً: عدم تبادل السلطة داخل الجمعيات الأهلية: فكثيرٌ من الجمعيات يظل رؤساؤها فترات طويلة دون البحث عن فكر جديد.
في ضوء ما سبق يمكن تحديد دور الجمعيات الأهلية في تطوير السياسة التعليمية بصفة عامة وسياسة التعليم الجامعي بصفة خاصة.
الطريقة الأولى : - تتمثل في تحسين أو تغيير السياسة التعليمية الراهنة ، من خلال مساعدة المؤسسة التعليمية الحكومية، أو بالتعاون معها.
وتهدف هـذه الطريقة إلـى تغيير السياسة التعليمية تدريجياً ، حتـى وإن كانت تلك الجمعيات الأهلية تمتلـك رؤية شاملة لسياسة تعليميـة بديلـة ، إلا أن الغايـة من هـذه الطريقة إنما هو الارتقاء بنوعية الخدمة التعليمية بصفة عامة في منطقة معينة، مثل حي أو قرية أو مدينة ، أو فـي مجـالات توجهات السياسة التعليمية ، وليكن الارتقاء بمستوى المدرس أو التأكيد على المساواة بين الجنسين في التعليم.
الطريقة الثانية : - تتمثل في تغيير أو تحسين السياسة التعليمية الراهنة ، من خلال العمل خارج المـؤسسات التعليمية الحكومية ، بل وتحطيـم كل علاقة بالمؤسسة إلـى أقل حد ممكن. وهذا يعتبر توجهاً راديكالياً ، ستكون الجمعيات الأهلية من خلاله لها توجه أيديـولـوجـي سياسـي ، أو جمعيات لها مطالب جزئية. وتتطلب هـذه الطـريقـة بناء مــؤسسات تعليمية بديلـة ، وتوفيـر مصادر متعددة للتمـويل ، وخلـق فكـر جديد للاستمرار في عملية التطوير.
المسؤولية واحتياجات المجتمع :
تفاقمت المشاكل الاجتماعية في العصر الحالي - الذي يعرف بعصر العولمة الذي حول العالـم إلى قرية صغيـرة في مختلف دول العالـم وخاصة الدول النامية ، والتي تشكل الدول العـربية جزءاً منها،ولكي لا تتبعثر الجهود وتتلاشى المسؤوليات فلا بد من تضامن أفراد المجتمع لمواجهة هذه التحديات المعاصرة ، وهـذا يتطـلب تحـديـد الدور الذي تقوم به مؤسسات أو قطاعات الأعمال تجاه المجتمع، من خلال تحسيـن ظروف أفراد المجتمع ، الاجتماعية والاقتصادية والبيئية .
تعتبر المسـؤوليـة الاجتماعيـة مـن أهـم الـواجبـات الواقعة علـى عاتـق الشـركات والمؤسسات الوطنية بالدول ، وهـي التـزام مستمـر من هـذه المـؤسسات فـي تطوير وتحسيـن المستـوى التعلـيمـي والثـقافـي والاقتـصادي والضمـان الاجتماعـي لأفـراد المجتمع وذلك من خلال توفير الخدمات المتنوعة .
ولا تقتصـر المسـؤوليـة الاجتماعيـة لـرجـال الأعمـال علـى مجـرد المشاركـة فـي الأعمــال الخـيريـة وعمـل حمـلات تطـوعيـة ؛ فبالإضافـة إلـى الالتـزام بالأنظـمـة والقـوانـين المتبعـة ، هنـاك ما يتعلـق بالنـواحـي الصحية والبيئـية ، ومراعاة حقـوق الإنسان وخاصة حقوق العاملين، وتطويرالمجتمع المحلي،والالتزام بالمنافسة العادلة والبعد عن الاحتكار، وإرضاء المستهلك .
كما تشمل الشفافية في العمل ، والبعد عن الفساد الإداري والمالـي والأخلاقــي..إلى غير ذلك من العوامل التي يرتبط بعضها ببعض، وتشكل في مجموعها الأساس للمسؤولية الاجتماعية للشركات.وتكتسب المسؤولية الاجتماعية للشركات والقطاع الخـاص أهميـة متزايـدة بعـد تخلـي الحكـومات عـن كثيـر مـن أدوارهـا الاقتصاديـة والخدمية التي صحبتها - بطبيعة الحال – برامج اجتماعية كان ينظر إليها على أنها أمـر طبيعـي ومتوقـع فـي ظل انتقاء الهدف الربحـي للمـؤسسـات الاقتصـاديـة التـي تديرها الحكومات، وإن كانت في كثير من الأحيان تحقق إيرادات وأرباحا طائلة.
وتكمن أهمية المسؤولية الاجتماعيـة للمـؤسسـات وللمجتـمع فـي تحسيـن الخـدمات التي تقدم للمجتمع، وخلق فرص عمل حقيقية، ودفع الأجور العادلة، وضمان سلامة العمال والموظفين، والمشاركة في إيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية والبيئية.
مفهوم المسؤولية الاجتماعية :
وفيما يلي بعض التعريفات لمفهوم المسؤولية الاجتماعية :
المسـؤوليـة الاجتماعـية هـي التـزام أصحاب المـؤسسـات بالمـساهـمة فـي التنمية المستدامة من خلال تحسين أوضاع الموظفين وعائلاتهم والمجتمع المحيط اجتماعياً وصحياً وعلمياً .
المســؤولية الاجتمـاعيـة هـي الأنشطـة التـي تمارسها المؤسسات في سبيل خدمة المجتمع.
المسؤولية الاجتماعية هي الالتزام من قبل الشركات بالتصرف أخلاقياً، والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية ، والعمل على تحسـين نوعيـة ظروف المعيشة للقـوى العاملة وعائلاتهم.
المسؤولية الاجتماعية هـي تذكير المؤسسات بمسؤولياتها وواجباتها إزاء مجتمعها الـذي تنتسب إليه . والبعض الآخر يرى أن مقتضى هذه المسؤولية لا يتجاوز مجرد مبادرات اختيارية / طوعية- دون إلزام- تقوم بها المؤسسات صاحبة الشأن بإدارتها المنفـردة تجـاه المجتـمـع . والبعـض الآخـر يـرى أنهـا صـورة من صـور الملائـمة الاجتماعية الواجبة على المؤسسات.
مبادئ و دوافع المسؤولية الاجتماعية :
- أن الجميع يتحمل المسؤولية تجاه النفس والأسرة والمجتمع .
- المشاركة في العمل الخيري هو أساس الاستقلال الاقتصادي .
- يجب أن تسعى الحكومات إلى تشجيع أفراد المجتمع لكي يساعدوا أنفسهم .
- ربط المسؤولية الاجتماعية بالمعتقدات والقيم الإسلامية .
- رد الجميل للمجتمع بالإنفاق على الأعمال الخيرية .
أن المسؤولية الاجتماعيـة وسيلـة للالتـزام الإيجابـي للشـركات والمـؤسسات تجـاه المجتمع من خلال تنمية الموارد البشرية .
أولويات المسؤولية الاجتماعية :
1- التعليم والتـدريب من خلال دعـم المـؤسسـات التعليمـية لتحسيـن نـوعيـة النظـام التعليمي،وسد الفجـوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل لتأمين المهارات الضرورية لسـوق العمل ، وجودة برامج التدريب، وتأمين فرص العمل لكل فئات المجتمع وتوطين الـوظائف ، وتحقيـق مبـدأ تكـافــؤ الفرص .
2- دعم المشروعات الصغيرة والمتـوسطة لتشجيـع الشباب الخريجين علـى العمل الحر.
3- دعم مراكز الأبحاث التي تولي اهتماما بالمسؤولية الاجتماعية ودراسات المـجتـمـع وكـذلـك دعـم المـؤتمـرات والملتقـيات التـي من شأنـها النهـوض بالمجتمع بصفة عامة .
4- البيـئـة : من خـلال المحافـظة علـى نظافة البيئة ، والقضاء على التلوث ، والإقلال من الإضرار بالطبيعة
5- الصحة: حيث تساعد المؤسسات في المساهمة في نشر الوعي الصحي بين أفراد المجتمع بمختلف طبقاته وشرائحه من خلال تنظيـم حمـلات موجهة ، وتدريب للموظفين على كيفية الوقاية من الأمراض ، بالإضافـة إلـى وسائل الأمن والسلامة.
6- المجالات الاجتماعية الأخرى، مثـل : القضاء علـى الفقـر، وإعـادة هيـكلـة المناطق العشوائية،وتشجيع ذوي الاحتياجات الخاصة على مساعدة أنفسهم.
7- التنسيـق مـع مؤسسـات العـمل الخيـري فـي تنفيـذ مشـروعـات المسـؤولـيـة الاجتـماعـية والتعـرف على المشـكلات الاجتـماعـية وعـلى أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة بالمجتمع والأيتام والأرامل وكبار السن ، والعمل على إنشاء المزيد من المؤسسات الخيرية التي تعمل في تخصصات مختلفة مثل الرعايـة الصحـيـة ،ودعـم المشـروعـات والقـروض الحسنـة،والتنـمـيـة الاجتماعية ، والتعليم، والتقنية ، وحماية البيئة ، ومكافحة التلوث، والإسكان ، بالإضافة إلى تعزيز جمعيات الأيتام، وتعليم القرآن، والوقف ، والمعاقين ، والإغاثة، والدعوة والإرشاد والوعظ .
دور المؤسسات الخيرية في المسؤولية الاجتماعية للشركات :
إن المؤسسات الخيرية هي المكمل لعمل الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص ؛ حيث إنها تتغلغل وتتعمق داخل مشاكل القاعدة العريضة من المجتمع،كما أنها تقتحم جميع المجالات الاجتماعية والصحية والتعليمية والبيئية ونظـراً للـدور الفـعال التـي تقـوم به تلـك المـؤسـسات ، فإنـها قـادرة علـى التنسـيق بـين شركات قطاع الأعـمال والمؤسسات الاقتصادية من ناحـية واحتـياجات المجتـمع من ناحية أخـرى ؛لأن تلك المؤسسات قادرة على تحديد أولويات المجتمع المحلي،كما أنها قادرة على الوصول إلى المؤسسات الاقتصادية والتنسيق فيـما بينـها للقيام بمسـؤوليتها الاجتماعـية عـلى أكمل وجـه. ولا يتوقف دور هذه المؤسسات عـلى التنسيق ولكنـها قادرة على تولـي دور الإشراف على المشروعات الاجتماعية التي تمولها الشركات.
وفـي النـهاية لا يستطـيع أحـد أن ينكـر الدور الذي تقوم به الشركات الاقتصادية وشـركات قطاع الأعمال لخـدمة المجتمـع ، لكنـها فـي النـهايـة جهود فردية ينقصها التنظيم والتنسيق وزيادة الوعي بأهـداف وأهمـية المسـؤوليـة الاجتماعـية ، ويـمكـن لمؤسسات العمل الخيري أن تقوم بالتنسيق والإشراف بين الشركات فيما بينها وبين الشركات وقطاعات المجتمع المختلفة .