عندما تعجز الأنظمة الموريتانية، من الأحبار إلى الدراويش، عن بناء الذات الوطنية وخلق الانسان الحديث، تكون الديمقراطية طاعونا أحمر. فالمتخلفون السذج، أتباع عبس وأحلاف البسوس، ظلوا يشكلون الأغلبية الساحقة "المسحوقة". ومن الأغلبية تمتلئ صناديق الاقتراع، فتكون الغوغاء هي صاحبة الكلمة الفصل. وعلى عجل، يبرز حكام يستمدون شرعيتهم من غوغاء سائدة "دستوريا".
إن بمقدور الغوغاء، ومن حقها المصان قانونيا، أن تحوّل البرلمان، كما رأينا، إلى غابة لا يسكنها، في الغالب، غير الكلب وابن آوى والسنجاب والوشق وأفعى الجرس الأخير.
معضلة الديمقراطية المبنية من فراغ (أي قبل بناء الانسان الواعي) أن باستطاعة أساطين المحاباة والزبونية أن يجروا وراءهم مئات آلاف ناخبي الغوغاء، ومن ثم يرمون بهم في صناديق الاقتراع دون أي تفكير في العواقب، لا من هؤلاء ولا من أولئك.
الديمقراطية قدرة على الاختيار قبل كل شيء. فإذا لم تكن لدى الغالبية تلك القدرة، فإننا سنبقى بحاجة إلى خلق الإنسان الديمقراطي أولا.
مخبولون ومعتوهون من يعتقدون، حكاما كانوا أو معارضين، أن الإصلاح ممكن ما لم توضع سياسات سليمة وآليات ناجعة لتغيير العقليات ومحاربة منظومة التقوقع عند بئر "ذات الرعاع". وإلا فسنظل نبحر، دون رُبّان ودون مرساة، في محيط كله أزمات سياسية واحتقانات فئوية وعرقية مردها أن "المعلم الكبير لم يترك لنا فرصة للنجاة من أن نشم رائحة إبطه" كما عبرت عنه أنامل الكاتب حبيب الله ولد أحمد.