نجح المرممون الأثريون في إضفاء حياة جديدة على حجرة الدفن الأسطورية للملك توت عنخ أمون؛ إذ وضعت جثة الفرعون الصغير المحنطة في مكانها الأصلي الذي كانت فيه قبل نحو ثلاثة آلاف عام، كما وضع التابوت الذهبي للملك "توت عنخ آمون" داخل حجرة الدفن.
واستغرق الأمر عشر سنوات لترميم قبر الملك توت عنخ أمون، وكشف خبراء من معهد جيتي للحفظ (للصون) ووزارة الآثار المصرية النقاب عن نتائج عملهم التي ظهرت للمرة الأولى أمس الأربعاء بعد إعادة فتحه للجمهور.
وتظهر الصور الترميم المذهل للغرفة المزينة ببذخ شديد برسومات وتصاميم معقدة، وتم تنفيذ أعمال الترميم لضمان تمتع الأجيال البشرية القادمة بها.
ولم تفتح مقبرة توت عنخ آمون منذ عام 1323 قبل الميلاد حتى فتحها عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر عام 1922 في الأقصر بوادي الملوك، ووجد فيها مجموعة كبيرة من القطع الأثرية، يُقارب عددها خمسة آلاف، وزُيِّنت الغرفة -التي تحوي ضريحه- برسومات تصوّر قصّة انتقاله إلى عالم الأموات.
لعنة الفراعنة
وبدأت أسطورة لعنة الفراعنة عند افتتاح مقبرة توت عنخ آمون عام 1922، وأول ما لفت الانتباه عبارة وجدت منقوشة على المقبرة تقول "سيضرب الموت بجناحيه السامين كل من يعكر صفو الملك". وتلت اكتشافها سلسلة من الحوادث الغريبة التي بدأت بموت كثير من العمال القائمين على البحث في المقبرة، وأثارت وفاة اللورد كارنارفون، الذي قام بتمويل عملية التنقيب، بعد ستة أسابيع فقط من فتح القبر، إشاعات مرعبة أطلق عليها "لعنة توت عنخ آمون".
وقيل إن عاصفة رملية قوية ثارت حول قبر توت عنخ آمون في اليوم الذي فتح فيه، وشوهد صقر يطير فوق المقبرة، ومن المعروف أن الصقر هو أحد الرموز المقدسة لدى الفراعنة. وناقش العديد من الكتاب والأفلام الوثائقية منذ منتصف القرن العشرين اللعنة الناجمة عن أسباب علمية تفسيرية مثل البكتيريا أو الإشعاع.
زيارة مقبرة توت عنخ آمون أصبحت اليوم أكثر راحة للناس وأقل ضررا للوحات الجدران (معهد جيتي للحفظ)
بقع غامضة
بمرور الوقت، بدأت السلطات المصرية تشعر بالقلق من حالة اللوحات الجدارية؛ فعندما فتحت المقبرة، وجدت اللوحات الجدارية مرقطة ببقع بنية غامضة، ولم يعثر عليها في أي قبر آخر.
ولهذا أثارت البقع الداكنة الغامضة على جدران المقبرة الجدل بخصوص تجدد "لعنة توت عنخ آمون". وفي عام 2009، اتصل المجلس الأعلى للآثار في مصر بعلماء معهد جيتي للحفظ للمساعدة في الحفاظ على اللوحات الجدارية.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية، نفذوا مشروعا للحفاظ على الموقع وإدارته، حيث عولجت مجموعة من القضايا التي تهدد بقاء القبر.
وبعد الفحص المكثف والدراسات العلمية الرصينة، ترك المرممون الأثريون هذه البقع الداكنة الغامضة مكانها دون أن يمسوها، لأنهم يخشون من أن إزالتها قد تسبب المزيد من الضرر. وكانت هناك مخاوف من نمو هذه البقع بسبب التدخل البشري من الزوار الذين يجلبون البكتيريا والغبار إلى داخل الغرفة.
وقام الباحثون بتحليل الصور التاريخية من منتصف عشرينيات القرن العشرين، ووجدوا أنها لم تظهر أي نمو جديد للبقع. وأكد تحليل الأحماض النووية والكيميائية للبقع أن سببها النمو الميكروبي على جدران غرفة الدفن، لكن الميكروبات التي شكلت البقع البنية كانت ميتة، ولم تعد تشكل تهديدًا؛ ولهذا لم تتم إزالتها لأنها اخترقت طبقة الطلاء.
أجرى فريق الخبراء الذي نظمه معهد جيتي للحفظ أكبر دراسة شاملة عن المقبرة منذ اكتشافها، مما أدى إلى فهم أعمق للطريقة التي بنيت بها وطريقة تزيينها، وتطوير إجراءات جديدة لمواجهة المخاطر المستمرة التي تهدد المقبرة.
ويؤكد خبراء المعهد أن زيارة مقبرة توت عنخ آمون (أحد أشهر فراعنة مصر القديمة من الأسرة 18، ويعني اسمه في اللغة المصرية القديمة "الصورة الحيّة للإله آمون") أصبحت اليوم أكثر راحة للناس وأقل ضررا للوحات الجدران. وتتيح منصة العرض الجديدة والإضاءة واللافتات التفسيرية للزوار رؤية المقبرة بشكل أفضل وفهم أهميتها التاريخية والثقافية، بينما تحد الحواجز الجديدة من الوصول المادي ولمس الزوار اللوحات.
المصدر : الجزيرة