الحقيقة بين الفكر والواقع ... / إسحاق عبد الرحمن

سبت, 18/03/2017 - 15:35

مذ تنازع المسلمون العرب السلطة، والساحة السياسية تشهد تجاذبات وصراعات، فرَّقَت الشَّمل، وأعادت نوعا ممَّا يمكن تسميته " جاهلية حضرية "؛ إذ لا يخفى على المُتَمَعِّنِ في الواقعِ العربي اليوم بروز التبعية القديمة للعيان، ففي الشام والعراق واليمن، انقسام بين الطائفية والغلو، والخنوع جُبناً أمامَ الغير، ولا بواكيَ للحالةِ المزرية.
وأمام مشهد مشابهٍ للحالة العربية، يقف " الشعب " الموريتاني متفرجا؛ فساسته يلعبون على عواطفه بعد أن جعلوه يَنجَر وراءَها مُعَطِّلا عقله، ولا دافعَ للتأمُّل في هذا النموذج، إذ يكفي ذكر البلد مُضيفِ " الغُمَّةِ " - والتعبير بهذا الوصف صادر من أحد ضيوفها - في مُعظم البلدان العربية  ليَرُد أخو الدين واللغة بسؤال مستفز للمشاعر، أهيَ بلدة في القرن الإفريقي؟، أوفي أحسن حال يقول لك مُتَحَيِّرًا أين هي في مدن أوروبا ؟.
في موريتانيا مبررات عدَّة لموقف كهذا، تكفي صفحاتُ الفيسبوكِ المُتَكَرِّمِ بالنظر فيها، فالسؤال ليسَ أهمَّ المَحَاور هنا.
" تَعَدَّدَ النَّهْبُ والسَّبَبُ واحد "، يقولُ أمثَلُ القائلينَ طريقةً، ثُلَّةٌ تسْتَبِدُّ بأمر دنيَا النَّاسِ في مُحيطها، لا تراعيِ فيهم إلاًّ ولا ذمَّة، لكن السطحية في الخصائص الفكرية، نوعُ سَذَاجَةٍ غَيْرُ مَقبول، ألم يَأْنِ للذين فَهِمُوا أن تعيَ شعوبُهُم درسَ التَّمَلُّقِ التاريخي؟
الصِّدقُ أمانَة، والكذب خيانة ومهلكة كبرى، وَالحقيقة الدِّينية الصافية، هيَ المَحَجَّةٌ البيضاءُ، ليلُهَا كَنَهَارِها، لا يزيغُ عنها إلاَّ هالك، يلزَمُ من هذا أن يضربَ الإنسان عصى التَّطواف بحثًا في سبيل قُوتِهِ، شرطَ أن يكون سلبيَ النتيجة على العباد والبلاد، في غير حقه، إذ أن البَهائم، تكفي أصنافُهَا المعلومة.
فمَكْمَنُ الأمر سَقَمُ الفهمِ لا أكثر، ورَفْع الشعارات التحريضية، لا مأمول منه غير الفِتنَه، تلكَ المنتنة، لعن الله من أيقظها.
قَلَّ أن يَسْمَعَ العربيُ كلمة من قبيل: نظرا لأننا لم نستطِع إنجاز الموعود فإننا نستسمحُ الشعب ونستقيل، وإن كان الأمر يسيرا، أحرى أن يكون - للْمُفَارَقَةِ - قرارا مصيريًا.
يمُرُّ الكلُّ وإن بتفاوُت بنفس الخطوات والمَسْلَك، لكن التمايُزَ  في الأثرِ هو الأبقى ..
ماتَ قومٌ وما ماتتْ محامِدُهُم // وعاشَ قومٌ وهم في النَّاسِ أموَاتُ.
التَّجرِبَةُ كنزٌ ثمين.
زُرتُ خلالَ السنوات الأخيرة – بحمد الله -  أقصى نقطتين في مشرق الدنيا وجنوبها، فما رأت عينَايَ أغرب من تَحَامُل العرب على بعضهم، فإن أنت جالستَ أحَدهم في شارع " باوليستا " الشهير بساوباولو البرازيلية مثلا، يحدِّثُكَ وهو غير مكترث لواقع أُمَّتِه، بالقول إني أكره العرب – وإن كان الأثر ضعيف السند " أحبوا العرب لثلاث " – فالعروبة صارْت تَخَلُّفًا وَثيقَ الصِّلةِ بالمَشَاكِل.
بأي حال تبقى الوضعية الراهنة صعبة الحلِّ في المُجْمَل !، لكنه غيرُ بعيد المنالْ، السعيُ الحميد، مشكور مأجور بإذن الله.
فَاسْتَعْمِلُوا النَّظَرَ السَّدِيدَ وَمَنْ يَجِدْ //  لِي مَا أُحَاوِلُ مِنكُمُ فَلْيَصْدَعِ.