“بتلميت ” بين إكراهات السياسة وهجر الأبناء ../عبد الله ولد العتيق

ثلاثاء, 02/02/2016 - 16:20

شاء الله أن تكون بتلميت في هذه البقعة من الأرض, وأن يحفر بانيها وحامي حماها, الشيخ سيدي الكبير بئرها المبارك في رمضان من العام 1243 هـ بعد رحلة دامت 40 سنة للطلب والتحصيل .
وشاء الله بقدرته أن تكون جسرا ومركز إشعاع علمي وحضاري في المنطقة عبر مراحل تأسيها , وصارت “بتلميت” إسما مقترنا بتاريخ موريتانيا الحديث والمعاصر , وخرجت العديد من الشخصيات التي كانت بصماتها عاملا أساسيا في مجال صناعة البلد فبفضل أعلامها ومعالمها إستطاعت أن تبقي دائما في الطليعة.
ورغم موقف الجنوب من الاستعمار الفرنسي , إلا أن المقاومة كان لها دور بارز على الصعيد العسكري والسياسي والثقافي , ونتيجة للمكانة البارزة التي كان يحظى بها الشيخ سيديا فقد تحولت المدينة الوليدة إلى قبلة لزعماء ومبعوثي تلك الإمارات، ومرتادي وتلامذة الشيخ من كل الجهات، واستطاع نتيجة لتلك الثقة أن يتوسط في إصلاح ذات البين بين زعماء وأمراء المناطق المتصارعة.
وحاول في مرحلة لاحقة أن يجمع كلمة الزعماء (أمراء اترارزة، لبراكنة، آدرار) في مؤتمر سمي مؤتمر تندوجة 1856 لحل الخلافات وتسوية الصراعات الدائرة بينهم، وتنسيق الجهود وتعبئة الموارد لمواجهة المستعمر الفرنسي الذي بدأ حينها يطرق أبواب البلاد، وبموازاة ذلك وجه رسالتين إحداهما للحاكم الفرنسي يدعوه فيها إلى الإسلام، والأخرى للسلطان المغربي يدعوه فيها إلى مساعدتهم بالمال والسلاح لمواجهة الفرنسيين.
في فترة أخرى أشرقت شمس التميز من خلال “معهد بتلميت ” الذي شكل شمعة جديدة للهوية الشنقيطية , كأول مؤسسة للتعليم العصري في البلاد.إستطاع أساتذته الذين يمثلون كوكبة من خيرة أعلام البلد ففي أحد فصول المعهد المنهارة اليوم أستمع الطلاب بتمعن وإنصات إلى الشيخ محمد ولد أبو مدين وهو يجول بين متون الحديث وأسانيده , أو إلى الشيخ محمد عالي ولد عدود و نجله محمد يحي ومحمد سالم وهم يفصلون وينيرون طريق العلوم , أو استمعوا إلى اسحاق ولد الشيخ سيديا أو المؤرخ الكبير المختار بن حامدن أو الدنبجة ولد معاوية أو الدكتور محمد المختار ولد اباه أو العلامة حمدا ولد التاه.
استطاع هؤلاء العلماء أن يخرجوا جيلا من الطلبة اصبحوا سفراء داخل الوطن وخارجه , لأنه تميز بعزفه على سنفونية التمييز الإيجابي , مابين الطلاب القادمين من مختلف الولايات , وحتى من البلدان الإفريقية المجاورة.
إستطاع عبد الله ولد الشيخ سيدي بناء هذا الصرح العلمي وباركه الرئيس الفرنسي شارل ديكول في حدود 1957 م , وعلى نفس الوتر عزفت مدرسة أبناء العرفاء لحنا آخر حيث خرجت كوكبة من أبناء الوطن الذين شكلو النواة الأولى في بناء هذا القطر الذي صارع دائما بين ثنائية الهلال والنجم الذي أضاء على كلمات باب بن الشيخ سدي واوتار سيمالي المتهالكة , مجسدا ذالك وجود بلد له شعب يفخر به ويصارع من اجل تقدمه دون المساس بالهوية, وقاد الرئيس المختار معركة الداخل حاملا بذالك سليمان ولد الشيخ سيديا اللواء في معركة الخارج والاعتراف بالبلد ضمن شخصيات من أبناء الوطن .
لكن لم تكلل المسيرة هذه المرة , حيث تكالبت ايدي الحاقدين والحاسدين وبدوافع سياسية وجهوية على هذه المدينة , وتم إستهدافها بأشكال من التمييز السلبي والغبن والحرمان , على جميع المستويات الثقافية والسياسية والإقتصادية , ذنبها أن الله حباها مكانة علمية وحضارية شهد بها القاصي والداني , مساهمة بدور سياسي وثقافي كبير في رسم تلك الخريطة بتفاصيلها الجليلة.
وقد شكل إغلاق معهد بتلميت وإستبداله بالثانوية نظرا لما يحمله من الدلائل نوعا من الظلم والقضاء على هذا الصرح العلمي الذي حمل جزءا هاما من تاريخ هذا البلد, فكان يمكن ان ينافس هذا المعهد اليوم الزيتونة أو الأزهر إلى جانب الكثير من التهميش , الذي جسده حكم ولد الطايع , الذي روت بعض االروايات الشفهية أنه درس ببتلميت , فقد مارس الرجل في حكمه أنواع التغييب والإهمال لمن له صلة بهذه المدينة , ممن عارضوا مشروعه الذي رسخ القبلية والمحسوبية والرشوة وحقن جميع المؤسسات بنفس الإبرة التي مازالت بحاجة إلى ترياق يقضي علي ذالك الواقع. حيث رسم ولد الطايع سياسية “فواصل المعدلات ” كإستهداف للمكانة الثقافية للمدينة , وحرمان الطبقة السياسية المنحدرة من المدينة , وغياب المشاريع التنموية للحكومة , وضعف الموارد و والبنى التحتية وغياب الخدمات الأساسية .
لكن ابناء المدينة ايضا حملوا نفس الشعار الذي حملته الأنظمة العسكرية التي تعاقبت على البلد , وهو مازاد الطين بلة , حيث صاحب ذالك موجة الهجر وقلة الاعتراف بالجميل ,للمدينة ولسان حالها يقول : وكم رعيت العنز بعد شرائه @ولما أعلن الشبع شراني , منتاسين أن بتلميت هي التي خرجتهم اطباء ومهندسين ودبلوماسيين ووزراء وشعراء ,,, وهو مالم ينعكس إلا سلبا على المدينة وواقعها الذي بقي على صورته التي عرفناه ونحن أطفال صغار,
وبدل المنافسة على جلب الإستثمارات واعمار المدينة , ظل أطر بتلميت ومنتخبيه يتنافسون على هجره وتغيبه إلا في المواسم السياسية و ماتحمل من وعود كاذبة , مساهمين في رص العمارات والبنايات الضخمة في عاصمة المستنقعات والبرك … متناسين من أوتهم ,احتضنتهم اياما صعبة حتى صاروا على ما صاروا عليه .
وكلهم يبخل عليها ببناء منزل متواضع أو شراء قطعة أرضية عل ذالك يزيد من شدة المنافسة ورفع سعر العقار بها , أو حتى بنشاط , أو مهرجان ثقافي يعرف بها وبتاريخها وحاضرها المر ,,, أقول لهم فقط “لاتبصق في البئر فقد تشرب منه يوما “