العربية..معجزة الصحراء الخالدة! و كنز موريتانيا الضائع! / باب ولد الشيخ سيديا

سبت, 06/11/2021 - 11:32

إطلعت ،مثل غيري، على ما نسب إلى بعض الإخوة الموريتانيين من تعلقهم باللغة الفرنسية على حساب اللغة العربية في بلد عربي مسلم! اشتهر على مر العصور بجهابذة العلماء و فطاحلة الشعراء و آلاف المؤلفات و المخطوطات العربية الإسلامية التي لا تقدر بثمن!! بحجة "حماية"  لهجاتهم و حضارتهم!!

أقول لهؤلاء، إنهم يقدمون على حماقة تاريخية و إفلاس حضاري سيحاسبهم عليه أبناؤهم  قبل أي شخص آخر و سيسخر منه أحفادهم  و سيكون الفرنسيون  أنفسهم  أول  المتهكمين من سطحية تفكيرهم  و قصور  نظرتهم  و دُنُوِّ همتهم لأنهم و بكل بساطة أعرضوا عن لغة دينهم و رفضوا التسلح   بأسمى و أشرف و أرقى و أحسن  لغة تكلم بها البشر  على مر العصور دون  استثناء !!

لن أحتجَّ بما قاله العلماء المسلمون عن اللغة العربية و لا بما قاله علماء و مفكروا موريتانيا حتى لا يحتجَّ أحد من هؤلاء بأن  هذا يدافع عن لغة دينه و ذاك يدافع عن لغة شريحته - مع أن هذا التحجج لا يستقيم لأن الدين دينهم مثل أي مسلم و اللغة العربية لغتهم مثل أي مسلم يجب عليه أن يعرف  فرائض دينه و يثاب في التفقه فيه و الدفاع عنه و لا سبيل إلى ذلك كله إلا بإتقان لغة القرآن الذي هو المصدر الأول لهذا الدين و لأن العربية هي اللغة الرسمية لدولتهم - بل سأقدم إلى هؤلاء ما قاله العلماء و المفكرون الغربيون لأنهم ،على الأقل، غير متهمين إذا تحدثوا بخير عن اللغة العربية و لأن القوم - حسب ما يبدو - متأثرين بكلامهم و مفتونين بلغتهم و حضارتهم!  

 يقول العالم الفرنسي إرنست رينان :

" اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليست لها طفولة ولا شيخوخة، وإنَّ من أغرب المُدْهِشات أن تنبتَ تلك اللغةُ وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري عند أمّة من الرُحَّل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرةِ مفرداتها ودقّة معانيها وحسنِ نظامِ مبانيها، ولم يُعرف لها في كلّ أطوار حياتها طفولةٌ ولا شيخوخةٌ ولا نكاد نعلم من شأنها إلاّ فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تُبارى، ولا نعرف شبيهاً بهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملةً من غير تدرّج، وبقيت محافظةً على كيانها من كلّ شائبة "

لم ينتبه هؤلاء، عمدا أو جهلا أو هما معا،  أن أكبر دعم و أيسر صون و أسرع تطوير للغاتهم الوطنية  و لحضارة  الأقليات هو إتقان أهلها للغة العربية  حتى تمتزج مع  لهجاتهم   فتضفي عليها سحرها البياني و تنهل من معين بلاغتها  و حسن صورها و متانة  سبكها و غزارة مفرداتها و حينها ستكون هذه اللهجات (اللغات الوطنية) صائنة لذاتها، أنيقة في تعاطيها، غير خائفة على مستقبلها  و متطورة  بصورة تلقائية عبر  تطور الزمن لأنها  ستكون مستندة على لغة لا تخشى الإندثار و لا الشيخوخة عكس الإعتماد على اللغات الغربية التي انحدرت من لغات ميتة (اللاتينية بالنسبة للفرنسية) الأمر الذي جعلها في إنقطاع شبه دائم  من الناحية الحضارية ينذر بزوالها في أية لحظة (لا يستطيع الفرنسي اليوم أن يفهم كلام جده الثاني أو الثالث عكس العربية التي يستطيع أهلها اليوم و غدا أن يفهموا كلام أهل الجاهلية!)، و لكم في اللهجة الحسانية  و اللهجة الولفية خير مثال على ذلك، فما أناقة و تطور الولفية على اللهجات  الإفريقية الزنجية الأخرى كلها  دون استثناء  إلا بسبب كثرة  علمائها  في اللغة العربية  الذين  نقلوا إليها  نمط التفكير  العلمي و الأدبي  و الروحي  و الأخلاقي  و رقة الأسلوب و طبيعة مناجاة الله  سبحانه وتعالى ،خالق الخلق و اللغات، نقلوا ذلك إذن و غيره من اللغة العربية إلى اللهجة الولفية و بصورة تلقائية و سلسة  فأصبحت على ما هي عليه اليوم من رقة و لباقة و رشاقة مقارنة مع نظيراتها من اللهجات الأخرى.

أما اللهجة  الحسانية فحدث و لا حرج!  فقد امتزجت بالعربية امتزاج الرضيع بأمه و ما فتئت تنهل من معين عطائها حتى  كدنا  لا  نفرق بين أصالة  شعر زهير ابن أبي سلمى  و أصالة إغنا زهير ولد هدار و بين وطنية أحمد شوقي في الشعر  و وطنية  أحمد ولد الوالد في لغنا و بين  شاعرية غيلان في شعره و شاعرية  محمد ولد آدبه في لغنا و بين العبقرية  التي تفوح من شعر المتنبي  والعبقرية التي تفوح من إغنا إمحمد ولد أحمد يوره.

 هكذا كانت اللغة العربية في تاريخها كله عندما تمتزج مع لغة قوم و حضارتهم، فهي كالمطر عندما ينزل على أرض تنتعش و تخضر و تُنبت ورودا و تزداد جمالا و متانة!

فلولا إمتزاج الفرنسية مع العربية على تلال إكيدي و حضارتها لما كانت كتابات حبيب ولد محفوظ بتلك العذوبة كلها و لولا إمتزاج العربية مع ثقافة إخوتنا في الجنوب بين جدران أسرة الحاج محمود با الأصيلة لما كانت حنجرة عبد الله محمود با بذلك النقاء و الصفاء و الهدوء و لولا امتزاج العربية مع الفرنسية تحت واحات النخيل في أطار لما كانت مقالات محمد سعيد ولد همدي ثابتة صلبة كالنخلة حلوة رطبة كالتمر و لولا امتزاج العربية مع الفرنسية و غيرها على كثبان بوتلميت لما كانت مرافعات محمد ولد مولود عن موريتانيا أمام المحاكم الدولية بذلك المستوى من الصلابة و التأصيل و الدقة و الرشاقة و لما كانت روايات موسى ولد أبنو بذلك العمق و تلك الأناقة!  

يقول المستشرق لويس ماتنيونه:

 "استطاعت العربية أن تبرز طاقة الساميين في معالجة التعبير عن أدق خلجات الفكر، سواء كان ذلك في الاكتشافات العلمية والحسابية أو وصف المشاهدات أو خيالات النفس وأسرارها، فالعربية من أنقى اللغات، وهي التي أدخلت إلى الغرب طريقة التعبير العلمي، بلْ امتازت بتفرّدها في طرق التعبير العلمي والفني والصوفي"

ويقول المستشرق الإسباني فيلا سبازا :

"اللغة العربية من أغنى لغات العالم، بلْ هي أرقى من لغات أوروبا؛ لأنها تتضمن كل أدوات التعبير في أصولها، في حين أن الفرنسية والإنجليزية والإيطالية وسواها قد تحدرت من لغات ميتة"

أما عالم الاجتماع الفرنسي جاك بيرك فيقول:

" إن أقوى القوى التي قاومت الاستعمار الفرنسي في المغرب هي اللغة العربية، بل العربية الكلاسيكية الفصحى بالذات، فهي التي حالت دون ذوبان المغرب في فرنسا ثم إن الكلاسيكية العربية هي التي بلورت الأصالة الجزائرية، وقد كانت هذه الكلاسيكية العربية عاملاً قوياً في بقاء الشعوب العربية"

 ويقول المستشرق غوستاف كرونيباوم:

Gustave E. Grunebaum

" عندما أوحى الله رسالته إلى رسوله محمَّد أنزلها قرآناً عربياً،  فما من لغة تستطيع أن تطاول اللغة العربية في شرفها، فهي الوسيلة التي اختيرت لتحمل رسالة الله النهائية"

 و يقول العالم الألماني أوكوست فيشر:

"إذا استثنينا الصين؛ فلا يوجد شعبٌ آخر يحقّ له الفَخارُ بوفرةِ كتبِ علومِ لغتِه، وبشعورِه المبكرِ بحاجته إلى تنسيقِ مفرداتها، بحَسْبِ أصول وقواعدَ غيرَ العرب"

و يقول العالم الإنكليزي ألفريد كييوم:

" إنه يسهل على المرء أن يدركَ مدى استيعابِ اللغةِ العربيةِ واتساعها للتعبير عن جميع المصطلحات العلمية
للعالم القديم بكل يسرٍ وسهولة بسبب وجود التعدد في تغيير دلالة استعمال الفعل والاسم"

و يشرح وجهة نظره، فيقول: «إن الجذر الثلاثي باشتقاقاته البالغة الألفَ عَدّا، وكلٌ منها متّسق اتساقا صوتياً مع شبيهه، مشكّلا من أيّ جذر آخر، فنحن الإنجليزعندما ننطق بفكرة مجرّدة لا نفكر بالمعنى الأصلي للكلمة  التي استخدمناها، فكلمة

Association

تبدو منقطعة الصلة ب:

AD,  SOCINS

التين هما أصلها فتختفي الدلالة مدغمة لتسهيل النطق ولكن أصل الكلمة بالعربية لا يمكن أن يغيب أو يَسْتَتر على المرء عند تجريد الكلمة المزيدة حتى يضيع تماماً، فوجود الأصل يظلّ بَيّنا محسوساً على الدوام"

و يقول عالم اللغات البلجيكي جورج سارتون:

"وهبَ اللهُ اللغة العربية مرونةً جعلتها قادرةً على أن تدوّن الوحي أحسن تدوين؛ بجميع دقائق معانيه ولغاته و أن تعبّر عنه بعبارات عليها طلاوة وفيها متانة، وإنَّ العربية أسهل لغات العالم و أوضحها  فمن العبث إجهاد النفس في ابتكار طريقة جديدة لتسهيل السهل وتوضيح الواضح، فإذا فتحت أيّ خطاب بالعربية، فلن تجد صعوبة في قراءة أردإ خط به، وهذه هي طبيعة الكتابة العربية التي تتسم بالسهولة والوضوح "

وقال الباحث اللغوي الفرنسي وليم مرسيه:

 " العبارة العربية كالعود إذا نقرت على أحد وترا رنت لديه جميع الأوتار وخفقت و حركت  في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر موكباً من العواطف والصور"

و يقول المستشرق المجري عبد الكريم جرمانوس: 

"إن  الذي أبقى اللغة العربية في حياة دائمة دون شائبة تشوبها هو مرونتها التي لا تُبارى، فالألماني المعاصر مثلاً لا يستطيع أن يفهم كلمةً واحدةً من اللهجة التي كان يتحدث بها أجداده منذ ألف سنة، بينما العرب المحدثون يستطيعون فهم آداب لغتهم التي كتبت في الجاهلية قبل الإسلام"

هذا غيض من فيض من أقوال و شهادة بعض علماء و مفكري الغرب، و غيرهم كثير، أردت أن أوردها حتى يفهم أولئك المتفرنسون أنهم برفضهم للغة العربية يضيعون فرصة ثمينة على لهجاتهم و مجتمعاتهم  ليست متاحة لغيرهم في القارة الإفريقية.

لست مع تعريب كل شيء بطريقة مفاجئة حتى لا نظلم الذين تفرنسوا بسبب اختلال نظامنا التعليمي فنضيف طابورا جديدا إلى العاطلين عن العمل مثل ما فعلنا مع ضحايا سياسة التعريب غير المدروسة و الذين يجدون أنفسهم اليوم عاطلين عن العمل بسبب تلك السياسات الخاطئة، لكن حان الوقت ، بعد صبر طويل و أخطاء جسيمة،  لاسترجاع  كنزنا الضائع و وضع خطة محكمة تكون كفيلة بتعلم كل أبنائنا دون استثناء للغة العربية ، لغة دينهم و دولتهم، في جميع مراحل دراستهم، خطة تضمن للغاتنا الوطنية أن تتطور و تتجدد و تكون أكثر انتشارا بين أبنائنا حتى لا تكون الأقلية غريبة في وطنها و حتى لا تكون الأكثرية عديمة المفعول و التفاعل و حتى نطمئن على مستقبل مشترك يتعايش  فيه الجميع عبر هوية موحدة و جامعة أساسها المحبة و الوطنية و الإحترام والتقدير المتبادلين.

و في الأخير، على فرنسا أن تراجع حساباتها و أن لا تغتر في قضية اللغة العربية و أن تتوقف نهائيا عن محاولة إجبارنا على ابتلاع لغتها حتى نسكت كما لو كانت من لغاتنا الوطنية و أن لا  تراهن على أن رئيسنا يتكلم بها، صحيح أن رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني يتكلم اللغة الفرنسية لكنه أيضأ يجيد اللغة العربية و تربى في كنف أسرة موريتانية عريقة و أصيلة كما أن تكوينه العسكري الرفيع جعل منه ذلك الرجل الوطني الرزين الشجاع الذي لا يملي عليه ضميره إلا ما يتماشى مع المصلحة الوطنية.

 إن تعاطينا مع اللغة الفرنسية من الآن فصاعدا مرهون بامتلاكنا للغتنا العربية أولا  و هو أمر تصطف خلفه ملايين الوطنيين من شرق البلاد إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها المتعطشين لاسترجاع لغتهم في تعانق وطني طال انتظاره بين جميع اللهجات الوطنية، كما تدعمه و تطالب به مئات الملايين من المسلمين عبر العالم الذين مازالت أسماعهم مليئة بإساءات ماكرونه المتكررة و عنصرية اليمين و أكاذيب اليسار الفرنسيين.

و أخيرا:  

يقول العالم الإيطالي كارلونيلينو: 

 "اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقا، ويعجز اللسان عن وصف محاسنها"

طابت أوقاتكم....