بريطانيا.. أزمة السكن تحاصر حكومة المحافظين

ثلاثاء, 14/05/2019 - 13:40

امتلاكك للمال اللازم لاستئجار سكن مناسب في بريطانيا قد لا يعني بالضرورة أنك ستحصل على مرادك بسهولة.

فمع نقص وحدات الإسكان الاجتماعي في بريطانيا -وبالأخص في لندن- بات الطلب على السكن في قطاع الإسكان الخاص عاليا، لينعكس ذلك على قيمة الإيجارات التي شهدت ارتفاعا غير مبرر، كما سمحت الأزمة للملاك بفرض شروطهم المجحفة على المستأجرين، وفق مراقبين.

يقول مختار الحاج أحمد، أحد الوافدين الجدد على لندن بحثا عن فرصة عمل، "لقد اضطررت للعيش عند أقاربي شهرين حتى تمكنت من استئجار شقة لأسرتي، كان علي إيجاد شخص ضامن لي لا يقل راتبه الشهري عن ثلاثة أضعاف قيمة الإيجار".

ويضيف أن شقته الجديدة مكونة من حجرتين فقط، ويبلغ إيجارها الشهري 1400 جنيه إسترليني (نحو 1800 دولار أميركي).

ويتابع "إنها صغيرة على أطفالي الثلاثة لكني اضطررت للقبول بها، لقد رفض العديد من الملاك أن يؤجروني بسبب دخلي المنخفض واعتمادي على بعض المساعدات الاجتماعية".

معاناة مختار لم تنتهِ عند استجار شقته الصغيرة، فمع ارتفاع قيمة الإيجارات بشكل مبالغ فيه أصبح المستأجرون غير قادرين على سداد مستحقاتهم مما جعلهم عرضة للطرد ومواجهة خطر البقاء دون مأوى، خاصة مع تفاقم أزمة السكن بصورة غير مسبوقة في البلاد.

عمليات بناء منازل الإسكان الاجتماعي (الجزيرة)

أرقام صادمة
ورصدت منظمة شلتر المعنية بمساعدة المشردين في تقريرها السنوي فجوة كبيرة تعانيها البلاد في أعداد وحدات السكن الاجتماعي، حيث أكد التقرير أن إنجلترا وحدها بحاجة لبناء ثلاثة ملايين منزل خلال  عشرين عاما من أجل حل أزمة السكن.

ويضيف التقرير أن أكثر من مليون أسرة يعيشون في قطاع الإسكان الخاص مهددون بفقد منازلهم، بسبب عدم قدرتهم على تحمل تكاليف السكن، وفي ظل عدم قدرة الدولة على توفير مساكن تتناسب مع قدراتهم المادية الضعيفة.

ويشير إلى أن خمسين شخصا على الأقل يضطرون للمبيت في الطرقات يوميا، معظمهم يعتمدون على جهود المنظمات الأهلية لإنقاذهم في ظل التقصير الحكومي.

أطفال مشردون
الأطفال ليسوا بعيدين عن تلك الأزمة، حيث تؤكد إحصاءات حكومية أن طفلا واحدا من كل مئة ممن هم دون الثامنة عشرة، يصنف رسميا من المشردين.

وأكدت الإحصاءات نفسها أن أعداد الأطفال الذين يعيشون في أماكن الإقامة المؤقتة في إنجلترا قد زاد بنسبة كبيرة جدا خلال خمس سنوات، حيث رصدت أكثر من 130 ألف طفل دون منزل دائم في مارس/آذار 2018، مقابل 76 ألفا في بداية عام 2013؛ لتصل أعداد الأطفال المتضررين إلى أعلى مستوى منذ 11 عاما.

لاجئون دون ملاجئ
ويعتبر اللاجئون من أكثر المعنيين بأزمة السكن في بريطانيا، حيث يضطرون للإقامة في مساكن مؤقتة عادة ما تكون مكتظة لفترات طويلة.

كما أن السكن في القطاع الخاص يمثل تحديا آخر، لصعوبة الاشتراطات اللازمة للحصول عليه، فضلا عن غياب الحماية القانونية للمستأجرين.

أبو خالد البطران لاجئ سوري طالت فترة انتظاره هو وأسرته المكونة من أربعة أطفال في السكن المؤقت.

يقول أبو خالد "أنا أنتظر منذ ثلاث سنوات في هذا السكن المؤقت، ولا يبدو أنني سأحصل على سكن أفضل خلال وقت قريب، لا أعلم متى يمكن أن تنتهي هذه الظروف، أصبحت أشعر أني عالق في هذا المكان".

ويضيف "لقد طلبت تغيير سكني المؤقت لأنه لا يكفي أسرتي، فضلا عن حالته السيئة فهو مليء بالحشرات".

حكومة تيريزا ماي وعدت ببناء 250 ألف منزل بحلول علم 2022 للتخفيف من حدة الأزمة (الجزيرة)

حكومة المحافظين
وعكست الأزمة مأزقا حقيقيا تعيشه بريطانيا منذ تولي حزب المحافظين السلطة في البلاد، حيث اتبعت حكومة المحافظين سياسات تتركز على تخفيض الدعم الحكومي لقطاع الإسكان الاجتماعي، مما فاقم من أزمة السكن.

وتقول المعارضة العمالية إن تفاقم أزمة السكن هو نتيجة لسياسيات حكومة المحافظين الحالية.

ويقول الرئيس السابق لحزب العمال إيد ميليباند "لا تفعل حكومة المحافظين الحالية ما يكفي لحل تلك الأزمة، وكذلك الحكومات التي سبقتها".

ويضيف "في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، قامت الحكومات المختلفة ببناء حوالي 120 ألف منزل اجتماعي كل عام، لكن خلال العشرين سنة الماضية قمنا ببناء عشرين ألف منزل فقط كل عام، وهذا هو أحد أكبر أسباب أزمة الإسكان".

ميزانية مضاعفة
حكومة تيريزا ماي من جانبها وعدت ببناء 250 ألف منزل بحلول علم 2022 للتخفيف من حدة الأزمة، فيما أعلنت وزارة الإسكان والمجتمعات المحلية عن خطة لبناء آلاف المنازل تستغرق عشر سنوات، من خلال ميزانية تصل إلى ملياري جنيه إسترليني سنويا.

وتعد أزمة التمويل من التحديات التي تواجه الحكومة، في وقت رصدت فيه مؤسسة كابيتال إيكونومك أن بناء ثلاثة ملايين منزل سيكلف الحكومة قرابة 11 مليار جنيه إسترليني سنويا.

وتؤشر الفجوة في الميزانية المرصودة من قبل الحكومة والميزانية المفترضة لحل الأزمة، أن تلك الأزمة ربما لن تجد حلا قريبا.

المصدر : الجزيرة