"غول" الإسمنت يبتلع الأراضي الخصبة في المغرب

سبت, 11/05/2019 - 13:49

وضعت إحدى يداها على خِصرها، قطبت حاجبيها وضيقت عينيها ثم مدت سبابة اليد الثانية مشيرة "أترين تلك البنايات هناك؟".. تتبعنا اتجاه سبابتها حيث تجزئة سكنية ضخمة تبدو جديدة، انفرجت أسارير وجهها بسخرية، وتابعت "كانت كلها ضيعة لفاكهة الأفوكادو".

 

أم الخير سيدة في عقدها الخامس تقطن في ضواحي مدينة سلا (المجاورة للعاصمة الرباط)، حكت للجزيرة نت كيف عايشت تحولا قرب الساحل الشاطئ للمدينة وعلى طول الطريق الوطني باتجاه مدينة القنيطرة (شمال العاصمة) وكيف نبتت علب الإسمنت تباعا.

"سواني" سلا في خبر كان
تذكر أم الخير ومعها العديد من سكان سلا والضواحي التقت بهم الجزيرة نت، كيف كانت تحيط بالمدينة ضيعات فلاحية يصطلح عليها باسم "السواني"، ظلت تؤثت المكان وتزود العدوتين (الرباط وسلا) بالمواد الفلاحية الغذائية اليومية الطازجة، وكيف أصبحت اليوم في خبر كان، وحلت محلها البنايات والمنشآت.

الجزيرة نت قامت بجولة استطلاعية على طول المحور الرابط بين العاصمة ومدينة القنيطرة، ورصدت عن قرب كيف يزحف الإسمنت على كل الفراغات، وكيف تنشأ البنايات وسط البساتين، وتعلو العمارات على أشجار غابة المعمورة.

وسط الحقول والبساتين ما يزال التجهيز للعلب الإسمنتية متواصلا (الجزيرة نت)

الإسمنت على مد البصر
"بوقنادل" الذي كان إلى وقت قريب تجمعا سكنيا صغيرا التأم حول سوق أسبوعي لعرض المنتجات الفلاحية، أضحى ممتد الأطراف، تؤثثه الوحدات السكنية الجماعية والفردية وتزدهر فيه أشغال البناء.

منذ أقل من عقد كان محور الرباط-سلا-القنيطرة يشكل رئة بيئية للساكنة، تؤثثها غابة المعمورة ومساحات المشاتل والأغراس، قبل أن تتحول إلى مبان إسمنتية تربط اليوم المحور ككل بحيث أصبح الفراغ شبه نادر.

يقول الخبير الاقتصادي محمد ياوحي في حديث للجزيرة نت إن ظاهرة زحف الإسمنت تلتهم أخصب الأراضي الفلاحية وأجودها، مثل سهل الغرب وسايس والشراردة ونواحي الدار البيضاء، حيث زحف الإسمنت على تربة "التشيرنوزيوم" الخصبة.

ويضيف ياوحي أن التوسع العمراني مس أيضا غابة المعمورة التي تعتبر رئة المغرب وملجأ لمجموعة من الحيوانات والطيور والنباتات النادرة، واصفا إياه "بالتوسع العشوائي الهمجي".

المغرب فقد 28 ألف هكتار من الأراضي الزراعية المسقية خلال عشرة أعوام (الجزيرة نت)

اعتراف رسمي
تقدر المساحة الصالحة للزراعة في المغرب بـ12% فقط من المساحة الإجمالية للبلاد (71 مليون هكتار)، وتشهد ضغطا متزايدا بسبب التوسع العمراني.

وكان وزير الفلاحة والصيد البحري المغربي عزيز أخنوش قال في وقت سابق إن الزحف العمراني يأتي على الأراضي الزراعية، وإن المملكة فقدت 28 ألف هكتار من الأراضي المسقية خلال عشرة أعوام بسبب زحف البناء، مشيرا إلى أن زحف البناء يلتهم سنويا خمسة آلاف هكتار.

الخبير الاقتصادي ياوحي يحمّل المسؤولية عن هذه الظاهرة على وزارة السكن والتعمير والوكالات الحضرية، بالإضافة إلى رؤساء البلديات الذين يرخصون للبناء فوق الأراضي الفلاحية والسلطة المحلية التي تتغاضى عن هذه الظاهرة الخطيرة، بحسب وصفه.

عشوائية
يوضح ياوحي أن زحف الإسمنت في المغرب أدى إلى انتشار مساكن عشوائية قبيحة بشكل أفقي، في غياب تام للبنية التحتية والمرافق الضرورية من مستشفيات ومدارس ودور شباب وطرقات وأماكن للترفيه، مما يضر بجمالية المدن ويخلق أحياء فطرية تمسخ معالم المدن وتشكل مراقد لا تصلح فيها التجارة أو السياحة أو الصناعة أو أي عمل منتج.

ويلفت الانتباه إلى غياب قنوات الصرف الصحي في بعض مناطق ضواحي القنيطرة وسلا، مما يؤدي إلى تلوث المياه الجوفية لأكبر خزان مائي بالمملكة وهو خزان "الفوارات". 

مساكن عشوائية وأخرى منظمة تنمو كالفطر على حساب الغابات (الجزيرة نت)

بكل المغرب
محور الرباط-القنيطرة يدخل ضمن الأراضي الخصبة في المغرب، وبالمقابل يعتبر من المحاور الآهلة بالسكان، ويعرف طلبا متزايدا على السكن، بالإضافة إلى أن الوعاء العقاري في الرباط بلغ حده، مما جعل العمران يتسع في الضواحي.

ويقارن ياوحي مع الدول الفلاحية مثل إسبانيا وفرنسا وكيف تمنع البناء في الأراضي الخصبة وتتوجه نحو البناء العمودي، وبناء مدن متكاملة المرافق في الأماكن غير الزراعية.

وتنتشر ظاهرة الزحف العمراني على المناطق الخضراء والأراضي الزراعية في مناطق عديدة من المغرب مثل الدار البيضاء ومراكش وغيرهما، تقابلها احتجاجات الجمعيات المدنية، وكان آخرها احتجاج بمدينة طنجة ضد محاولة تحويل حديقة عمومية إلى ورشة عقارية.

وكانت النقابة الوطنية للفلاحين أثناء تخليدها لليوم العالمي لنضالات المزارعين يوم 17 أبريل/نيسان الماضي، قد أعلنت تضامنها مع المزارعين ضحايا "مافيا" العقار في مختلف مناطق البلاد، واستنكارها تواطؤ السلطات العمومية مع ناهبي الأراضي الفلاحية، محملة مسؤولية حمايتها على الدولة.

المصدر : الجزيرة