البطالة في موريتانيا..التحليل الاقتصادي و العائق الاجتماعي

اثنين, 08/04/2019 - 01:51

تشكل البطالة أحد أهم العوائق التي يمكن أن تواجه اقتصادا في طريقه للنّمو، و حتى بعد تحقيقه للنّمو تبقى المحافظة على نسقه المتصاعد مرهونة بحالة سوق العمل الذي بدوره هو المحدد الأساسي لكمية العنصر الثاني للإنتاج (العمل) و كمية الأجور الموزعة عند التوازن.

لتعريف أسباب البطالة و لتقديم حلول إقتصادية و إجتماعية كافية لتخفيف أثره في إقتصاد البلد نستند إلى المدارس الإقتصادية الكبرى التي إهتمت بمعالجته بشكل تحليلي، رياضي و إحصائي لنستخرج ما يتناسب مع النمطية الإقتصادية و الإجتماعية لموريتانيا و ما يمكنه بشكل كبير أن يكون ذو فعالية عندما نريد تحسين وضع سوق العمل.

ذهبت تحليلات أسباب البطالة في إتجاهين، إتجاه يعتبر أن البطالة نتيجة عدم التوافق بين عنصر طلب العمل (الشركات، المؤسسات ..إلخ) و عرضه (الأسر) بينما يعتبر الإتجاه الثاني أن التّقلبات في سوق السلع و الخدمات هي التي تسبب البطالة.

الإتجاه الأول:

البطالة حسب المنظور الأول مرهونة بمرونة الأسعار، بما أن الأسعار مرنة فالأجور مرنة بدورها بإتبارها سعرا للعمل، فإذا قررت الدولة أن تزيد الأجور عامةً (زيادة غير مبررة) فذلك سيزيد من تكاليف التشغيل و بالتالي إنخفاض الأرباح مما سيدفع المؤسسات بدون إستثناء لتسريح جزئ من عمالها أو  لتقليص حجم توظيفها إلا إذا وافق الموظفون على زيادة ساعات عملهم، مما سيلاقي رفضا بين صفوف العاملين تزامنا مع عرض المزيد من العمال الجدد في سوق العمل لعملهم بغية الإستفادة من إرتفاع الأجور و بالتالي حصول البطالة.

تتربع هذه النظرية على الفرضيات التالية:

١-للعامل الحرية الكاملة في عرض عمله أو العكس لوجود عدد كبير من المشغلين و العاملين في السّوق و بالتالي حرية الدخول و الخروج منه.

٢-العمل شاق، إذا على العامل الحصول على أجر.

٣-الأجور هي أجور حقيقية و ليست إسمية (يقاس الأجر بالسلع و الخدمات التي يمكن أن يحصل عليها).

٤-البطالة إرادية لسبب بسيط، عندما يرفض العامل زيادة ساعات عمله عند زيادة الأجور لا توجد أية أمور أخرى تدفعه لتغير رأيه. لهذا السبب يمكننا القول إن للعامل حرية الإختيار بين العمل و البطالة.

لقد قدمت هذه النظرية حلولا بعيدة الأمد للبطالة تعتمد على مرونة الأسعار، فإذا حافظت المقاولات على أرباحها ستتمدد و تتوسع في السوق مما يؤدي إلى زيادة إنتاجها و هذه الزيادة مرهونة بزيادة عوامل الإنتاج و بالأخص عنصر العمل و بالتالي، في المدى البعيد، تخفيف حدة البطالة. نختصر هذه الحلول في :

- تخفيض التكلفة الإجتماعية للموظفين ذوي الإنتاجية الضعيفة : فالمشغل يطلب العمل حسب الإنتاجية الهامشية لآخر عامل تم تعينه (PmL)    فعندما نريد أن يشمل التّوظيف هذه الفئة علينا أن نقلص أو نزيل الأعباء الإجتماعية المتعلقة بهم و المدفوعة من قبل المشغل كالمساهمة الإجتماعية و غيرها من الضرائب. تدخل هذه السياسة في إطار تفعيل بدائل تقليص الأجور، لأن في الحالة العامة نتبع هذه السياسة فقط عندما يتعلق الأمر بالعمّال الذين يحصلون على الدخل الأدنى الذي لا يمكن تخفيضه لأسباب نقابية في المقام الأول و إجتماعية في مستويات لاحقة.

أ-المرونة الكمّية الخارجية: و التي بدورها تهتم بمرونة الكثير من المتغيرات في سوق العمل و التي تضمن الحفاظ على أرباح المؤسسات.

تتعلق أرباح المؤسسات بشكل كبير بالأعباء و التكاليف المرتبطة بعناصر الإنتاج. و لأن دالة التكلفة العامة تشمل الأجور فإن الأجور المدفوعة للعمّال قليلي الإنتاجية تعد خسارة مما يدفع المؤسسات إلى تسريحهم. عملية التسريح هاته ليست بالسهلة على الإطلاق لأن قوانين العمل و النقابات العمالية لا تسمح بمثل هذه السياسات غير واعين أند عندما يقلّ الإنتاج، ستقل كتلة العمالة لا محالة عاجلا أم آجلا.

المرونة هنا تكون على الأشكال التالية :

١- رفع قيود التسريح، مما يمكن المؤسسات من تسريح أو توظيف أي موظف كان في أي وقت مما يتوافق مع الفرضية الأولى المذكورة أعلاه لسوق العمل بالنسبة لعارضي العمل(الأُسر).

٢- أن تكون عقود العمل على هيئة "عقد لمدة محددة" أو "CDD" مما سيمكن الشركة من تسريح أي عامل بعد سنة من تشغيله إن تبين أن إنتاجيته ضغيفة.

٣- العمال المؤقتون : تمنح هذه السياسة الأفضلية للشركات لأن في حالة إحتاجت الشركة للعمل فإنها تتواصل من عامل مؤقت ينجز ما يطلب منه بمقابل و تتواصل معه في حالة تواجد عمل آخر له و هكذا.

٤- الإستعانة بمصادر خارجية : و بهذا النظام تعتمد الشركة -في حالة وجود حاجة لذلك- لشركة خدمات تقوم بالمهمة المسندة إليها دون الإستعانة بموظفين أو بمتعاونين إلخ..

ب- المرونة النوعية الداخلية : و بهذا الحل يمكن لتغيرات في هيكل العمالة الداخلية أن يخلق نوع من توفير الأموال أو تقليل التكاليف بمعنى آخر. و أبرز الأمثلة على ذلك هو :

تعددية القدرات أو مجالات العمل حيث يمكن لعامل واحد أن يقوم بعدة أعمال في أوقات مختلفة. يمكّن هذا التنوع في العمل الشركة من توفير أجر عامل جديد و العامل المتعدد القدرات من تحسين دخله و صقل خبرته في مجالات متنوعة.

لا يمكننا تفسير البطالة في موريتانيا ككل بهذه النظرية لكنها تعكس بعض الواقع في الحقيقة، فالعامل الموريتاني لا يميل إلى زيادة ساعات عمله إن زادت الأجور. مما يجعل البطالة خاضعة لظروف أخرى متعلقة بعقليته و نمط عيشه و التي سنعالجها لاحقا.

الإتجاه الثاني :

هذا الإتجاه يأخذ في الحسبان تأثير سوق السلع و الخدمات في سوق العمل، و يتمتع بتحليل أبسط و أكثر واقعية من الذي قبله. حيث أن في التحليل السابق نقوم بعلاج البطالة في الأمد البعيد. لكن الآن نجد حلولا للبطالة في الأمد القريب.

في هذا الإتجاه نتخذ من الطلب العام ركيزة لتحليل البطالة، فالتقلبات في سوق العمل تجعل المستثمرين مترددين حيال زيادة الإنتاج، فالمقاولون يقيمون إستثماراتهم حسب الطلب المتوقع في السوق و بالتالي كل العوامل المؤثرة في الطلب يجب أن تأخذ بعين الإعتبار حتى لا يتأثر و يأثر بصفة غير مباشرة في سوق العمل.

بعبارة أخرى، إرتفاع الطلب في سوق السلع و الخدمات يجبر المستثمرين على تلبية هذا الطلب و أساس هذه الزيادة في العرض يكون في زيادة كمية العمال و بالتالي تحسين وضعية سوق العمل.

تكمن الفكرة في الحفاظ على الطلب مستقرا إن لم يكن نمطه تصاعديا في السوق. و هذا يكون عبر آليات في يد الدولة التّحكم بها و هي السّياسات المالية و نقدية التّوسعية.

إن أرادت الدولة تحسين وضعية سوق العمل ما عليها سوى تحفيز الإستهلاك و تحفيز الإستثمار و لكل منهما آليته المستقلة.

لتحفيز الإستهلاك نستعين بالمضاعف "الكنزي" للإستهلاك و الذي يمكننا من خلاله معرفة القدر الازم من مدفوعات الدولة (سياسة مالية توسعية) الذي يمكِّننا من الوصول لمستوى معين من الإستهلاك. ترى الدولة عبر هذا المستوى من الإستهلاك أنه سيلتقي مع عرض في السوق ذو مقدرة لتخفيض مستوى البطالة بشكل مرضي و متوافق مع أهداف السياسة الإقتصادية المرسومة مسبقا.

تكون مدفوعات الدولة على شكل إعانات إجتماعية، دعم لسلع معينة إلخ.. الهدف منها تحفيز الطلب و بالتالي الإستهلاك النهائي  كما يمكن للدولة أن تحفز الإستثمار من عدة جهات منها الضرائب و الإعانات و سعر الفائدة.                           

سعر الفائدة يزداد إن موِّلت السياسة المالية سالفة الذكر بالإستدانة مما يطرد الإستثمار الخاص. لتجنب هذه الزيادة تطبق سياسة نقدية توسعية من شأنها أن تضاعف أثر السياسة المالية المتعلق بدخل الفرد و إستهلاكه و تخفض من جهة أخرى سعرة الفائدة من ما يؤدي إلى زيادة في الإستثمار.

إن إزداد الإستثمار في الدولة مع زيادة الطلب سيقل عدد العاطلين لأن الأجور ستتحسن و بالتالي يكون مردود العمل على العاملين أكثر إغراءً و بالتالي يزيد الطلب مرة أخرى و توزع الأجور و يتكرر نفس المشهد السابق و هذا ما يسمى بالنمو الإقتصادي عبر السّياسات الظرفية.  

و الآن سنحاول إسقاط هذه النظريات على الواقع الموريتاني. في موريتانيا البطالة مرتبطة بشكل كبير بالتعليم (الذي يضمن الإنتاجية) و بالعوامل الإجتماعية و بطبيعة السوق.

اليد العاملة (العاطلون و العاملون) في موريتانيا في سنة 2019 حسب مدرسة السياسات التطبيقية في جامعة شيربروكي الكندية و بمعطيات من البنك الدولي تناهز 1.388.813 من مجموع السكان الذي يناهز 4.420.184  نسمة أي أن 31.4% من السكان يعرضون عملهم في السوق و 10.6 % من اليد العاملة لا تجد الطلب على عملها أي أنها عاطلة. 89.4% هي يد عامل مشغولة.

هذه النسبة العاطلة عن العمل تتكون من فئتين هما المتعلمون و الغير متعلمين و لكل منهم ما يخصه عن غيره. فبالنسبة للفئة المتعلمة لا ينبغي لها إلى العمل في ما يدخل في مجالها و صلب تخصصها و هو ما لا يكون في أغلب أحوال السوق. و أما الفئة الأخرى فهي نشطة في قطاع الخدمات المصنفة و الغير مصنفة الذي يتمتع بدخل متقلب و منخفض في جل أحواله خصوصا في إقتصاد موريتانيا. و لضعف بنية التعليم و لصرامة القطاع الخاص، تبقى الفئة "المتعلمة" التي لا تتمتع بإنتاجية كافية ضحية للبطالة حسب النظرية الأولى.

عدم الخبرة أو التعليم بشكل عام يمكن أن يسبب البطالة، الشركات في إقتصاد موريتانيا تنشط بشكل أساسي في قطاعات التجارة و الخدمات و القطاعات التحويلية و كل هذه القطاعات تتطلب من عمالها أصحاب القرار و العمال البسطاء الحصول على هذه العناصر :

- تخصص في تقنيات التسيير التي يحصل عليها عبر دراسة جامعية أو غيرها.

- أو معرفة في الأعمال اليدوية أو إدارة المشاريع الصغير المكتسبة من التجربة أو بالتوارث.

بالنسبة لأصحاب العنصر الثاني، النشاط يتميز بالصعوبة لأن الأعمال اليدوية تتطلب الصبر لأن العامل يمر بأكثر من مرحلة لكي يتخصص في حرفته و الذي بدوره مرهون بطبيعة تكوينه و جودته مع العلم أن أكثر من 65% من العمال اليدوين لم يتمدرسوا أو تركو التعليم مبكرا. إذا لا ضمانة لجودة عملهم مما قد ينقص من قيمتهم في سوق العمل مما يسبب لهم البطالة.

أعمال التجارة تتطلب الحصول على رأس المال، معرفة لأسس التجارة و الصبر. جني الأرباح قد يتطلب وقتا و جهدا و حتى إن وجد رأس المال فهو ليس أكثر من ثروة ظرفية يمكن صرفها بزيارة واحدة للسوق في ظرف التضخم الذي نعيشه 3.6%..

في الظروف التي قد تتمكن فيها البنوك من التدخل في تمويل المشاريع، نجد أن الأنظمة البنكية لا تساعد في تمويلاتها لأنها لا يمكنها أن تقرض الناس قروضا طويلة الأجل بأسعار فائدة منخفضة يكون بموجبها الإستثمار.

من هنا يمكننا القول أن الدولة بالسياسات الظرفية التوسعية يمكنها أن تحفز كلا من الإستثمار و الإستهلاك مما يولد حلولا للمشاكل السالفة الذكر في الفقرة السابقة و هذا ما إستنبطناه من النظرية الثانية.  السؤال الاساسي يكمن في قدرة الدولة و توجهاتها الاقتصادية، هل تتمتع موريتانيا بالقدرة الاقتصادية لتمويل السياسات التوسعية ام ان خطتها الاقتصادية لا تشمل هذا النمط من السياسات؟

في موريتانيا يمكننا أن نقول أن بعض البطالة يمكن تفسيره بالبطالة الإرادية التابعة لمتغيرات إجتماعية. بعض الموريتاننيين لا يعمل في الكثير من القطاعات كالبناء و الصيد التقليدي و الزراعة مع أنها مدرة للربح. و هذا ما يرجع الى أسباب إجتماعية تفسد طبيعة سوق العمل.

و هناك أسباب عدة للبطالة منها الإتكالية الإجتماعية، فإذا وفرت للعاطل كل مقومات الحياة كالسكن و المأكل و المشرب لما عمل و لما بحث عن عمل. و هذا ما على الدولة التدخل فيه بالنشاطات التوعوية و الإصلاحات الإجتماعية لأن الحاجة تحفز البحث و البحث يؤدي إلى الجهد و الجهد يبذل في العمل.

عندما نحلل مبدأ الإتكالية عند الشعب الموريتاني نرى أن لكل مزاجه و خُلقه و قدرته و حاجته، لا يماثل أحد أحدا في جميع أحواله. فإذا مايز الإقتصادي ذلك، و قسم الفئة الغير عاملة إلى أقسام لكل منهم طريقته و سياسته و حاجته، أصبح يدبر لهم جميعا و يعِدهم أفرادا للدخول في سوق العمل. و يكيف لهم السوق من جميع الجهات سواء كانت إستهلاكية أو إستثمارية أو غير ذلك. و ليس هذا إزدراء لمساعدة الناس للناس، لأن الناس يختلفون بين متعلم و جاهل و مبدع و عامل مجتهد، و إننا نظن أن في إختلافهم خيرا، فإجتماعهم سبب في حفظ أفرادهم و إختلاف أفرادهم سبب في إجتماعم. و لكن، و للمصلحة العامة للدولة و الخاصة للأفراد يستحسن أن يقوم كل بنفسه. فذلك له تأثير كبير على العمال خاصة و على الإقتصاد عامة.

أ/ عبد الرحمن ولد بدي