أزمة كوادريغا: قصة شركة للعملات الرقمية خسرت 135 مليون دولار

أربعاء, 27/02/2019 - 11:00

عندما توفي فجأة جيرالد كوتين، مؤسس شركة "كوادريغا" الكندية للعملات الرقمية، دُفن معه المفتاح المؤدي إلى ما قيمته 180 مليون دولار كندي (135 مليون دولار أمريكي) من العملات الرقمية. وترك مؤسس هذه الشركة، ذو الثلاثين عاما، عشرات الآلاف من عملاء الشركة في حيرة من أمرهم حيال مصير أموالهم.

كانت شركة "ميتغوكس"، وهي واحدة من كبريات الشركات العاملة في العملات المشفرة في العالم، قد أوقفت نشاطها فجأة عام 2014 بعد خسائر بلغت 850 ألف بيتكوين قُدرت قيمتها في ذلك الوقت بحوالي 0.4 مليار دولار.

وتسبب هذا الحدث المفاجئ في انهيارات في أسواق العملات الرقمية، لكن الأزمة التي اجتاحت الشركة اليابانية جاءت في صالح شركة كندية أطلقت عملة مشفرة جديدة.

وقال جيرالد كوتين في ذلك الوقت: "لقي وجود الشركة في كندا استحسان العملاء لأنهم يعرفون أين تُستثمر أموالهم".

وتوفي كوتين، بعد خمس سنوات، الأمر الذي وضع آلاف المستخدمين والمتداولين لهذه العملة في الأسواق في حالة من الارتباك الشديد بسبب عدم توافر المعلومات الكافية لديهم عن مستقبل ودائعهم المفقودة.
وقال تونغ زاو، وهو مستثمر قال إنه وضع كل مدخراته في هذه الشركة، لبي بي سي: "لا نعلم ما إذا كنا سنسترد أموالنا أم لا. وهناك الكثير من عدم اليقين".

وقررت محكمة كندية هذا الشهر منح شركة كوادريغا، التي أصبحت أكبر شركة تداول عملات مشفرة في كندا، حق إشهار الإفلاس المؤقت.

وقالت الشركة إنها وبعد موت كوتين "تبذل كل ما بوسعها للتعرف على مكان احتياطيات العملات الرقمية وتأمينها".

وأضافت الشركة الكندية إن لديها استثمارات من 115 ألف عميل بقيمة تصل إلى 250 مليون دولار كندي، من بينها 70 مليون دولار كندي بالعملات التقليدية، وعملات رقمية بقيمة تتراوح ما بين 180 و190 مليون دولار كندي، وفقا للقيمة السوقية المحدثة.

ويرجح، رغم عدم تأكيد أي معلومات حتى الآن، أن هذه الأموال مخزنة في مكان مؤقت يسمى "محفظة باردة" (أي محفظة إلكترونية غير متصلة بالإنترنت)، ومعلومات الدخول لا يعرفها إلا كوتين لحمايتها من عمليات القرصنة والسرقة الإلكترونية.

مصدر الصورةREUTERS
وحتى الآن، لا يزال هناك توقف كامل لجميع تعاملات كوادريغا منذ وفاة كوتين.

ووصف بيرني دويل، المدير التنفيذي لشركة "ريفاين لابس" ورئيس وحدة تورنتو في جمعية تكنولوجيا البلوكتشاين الحكومية، الأزمة التي تمر بها الشركة الكندية بأنها "زلزال" في هذا القطاع.

ويفتقر عالم العملات الرقمية والأصول المشفرة إلى الرقابة الكافية، كما أن تاريخ هذا النوع من الأصول حافل بتذبذب الأسعار، والقرصنة الإلكترونية، وغياب الحد الأقصى من حماية المستهلك.

ماذا حدث في كوادريغا؟
تكشف أوراق القضية التي تنظرها المحاكم في كندا بخصوص الشركة في يناير/ كانون الثاني الماضي قدرا كبيرا من التفاصيل عن الشركة.

وتضمنت تلك التفاصيل أن كوادريغا لم يكن لها مكاتب، ولا موظفون، ولا حساب بنكي، ما يجعلها شركة يديرها ويشغلها شخص واحد هو جيرالد كوتين وجهاز الكمبيوتر الخاص به. وكان كوتين يدير أعماله من منزله الكائن في فول ريفر في مقاطعة نوفا سكوشيا.

وكان مؤسس الشركة يستعين بمتعاقدين خارجيين لإنهاء بعض الأعمال الإضافية بما في ذلك تنفيذ المدفوعات.

وقالت جينيفر روبرتسون، أرملة كوتين، إنها لم يكن لها صلة بأعمال زوجها المتوفى في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول في الهند جراء الإصابة بداء كرون أو مرض التهاب الأمعاء.

وأضافت، أثناء شهادتها، أنها بحثت في منزلهما وأماكن أخرى عن مستندات تخص كوادريغا، لكن دون جدوى. كما أن جهاز الكمبيوتر الذي استخدمه مؤسس الشركة مغلق بشفرة وليس لدى زوجته كلمة المرور وتعجز عن استرجاعها.

إضافة إلى ذلك، تمت الاستعانة بمحقق للمساعدة في استعادة أي سجلات للشركة، لكن نجاحه في هذه المهمة كان محدودا.

وقالت تقارير إن الشركة حولت دون قصد وحدات بيتكوين، بقيمة نصف مليون دولار، كانت مخزنة في "حافظة باردة"، في أوائل فبراير/ شباط الجاري، ولا يمكنها الوصول إليها.

مصدر الصورةSUPREME COURT OF NOVA SCOTIA
Image caption
صورة لحوالات مصرفية قدمت ضمنت مستندات قضية كوادريغا في المحكمة
لكن مشكلات كوادريغا بدأت قبل أشهر عندما واجهت أزمة سيولة.

وتضمنت المتاعب التي واجهتها الشركة تجميد بنك "سي آي بي سي" الكندي عام 2018 خمسة حسابات لكوادريغا بعد خلاف حول المالك الحقيقي لمحتويات تلك الحسابات الذي قُدرت بحوالي 26 مليون دولار كندي، وهو النزاع الذي انتقل إلى أروقة المحاكم.

وقالت الشركة إن لديها حوالات مصرفية بملايين الدولارات لا تستطيع إيداعها لأن البنوك ترفضها.

وتضمنت شهادة روبرتسون، زوجة مؤسس الشركة المتوفى، أمام المحكمة صورا لأكوام من الحوالات المصرفية موضوعة على موقد في مطبخ منزلها.

وكانت النزاعات القضائية مع البنوك في كندا سببا في أزمة سيولة حادة تعاني منها الشركة أسفرت عن حالة من الإحباط لدى المستثمرين في هذه العملة المشفرة بعد مواجهتهم صعوبة بالغة في إجراء التعاملات بسبب التأخير وغيره من الأمور التي تعترض طريقهم أثناء الوصول إلى أموالهم.

من هو جيرالد كوتين؟
يبدو كوتين، كما تظهره الصور واللقاءات الصحفية، كخريج جامعي محترم حاصل على إجازة جامعية في إدارة الأعمال، وكان يفضل ارتداء الملابس غير الرسمية والجينز.

ووصفت شركة كوادريغا كوتين بأنه كان "قائدا يتمتع ببصيرة نافذة"، وقالت إنه توفي في الهند أثناء افتتاح دار أيتام للأطفال.

ووصفه صديقه أليكس سولكيلد بأنه كان شابا متعاونا، ومرنا علاوة على تمتعه بحماس شديد لترك بصمة في عالم العملات المشفرة.

وقال سولكيلد لبي بي سي: "لا أعتقد أن أحدا سيقول عنه (كوتين) أي كلمة سوء".

وأشار إلى أن صديقه المتوفى كان يعتبر البيتكوين بمثابة تكنولوجيا ستكون قادرة على تغيير وجه العالم، إذ أنها عملة لا تخضع لسيطرة الحكومات أو البنوك.

وأكد أن وفاة كوتين أصابت الكثيرين بحيرة بشأن أسباب عدم وضعه أي خطة بديلة لأعماله.

لكن وسط حديث منتشر على الإنترنت يرجح أن عمليات احتيال وراء العملات المشفرة المفقودة، قال سولكيلد: "يبدو الأمر كمسلسل تراجيدي من الأحداث التي يسودها الحظ العثر التي تتشابك مع بعضها البعض بطريقة تعسة".

ووقع مؤسس الشركة الكندية الوصية قبل وقت قصير من زيارته للهند حيث توفي، وهي الوثيقة التي تتضمن تعيين زوجته روبرتسون قيما على تركته بعد أن وهبها أغلب ممتلكاته.

كما تقدم الوثيقة بعض التفاصيل عن الأصول التي تتضمن سيارة ليكزوس، وطائرة، إذ كان من هواة الطيران، وقاربا، وبعض العقارات في مقاطعتي نوفا سكوتشيا وبريتيش كولومبيا.

كما ضمّن الوصية تفاصيل العناية بكلبيه.

وحلل خبراء المجال تاريخ المعاملات العامة لحافظات كوادريغا المالية، التي استخدمت لتخزين وإرسال واستقبال العملات المشفرة، وهو ما أثار احتمال عدم وجود احتياطات للـ "حافظة الباردة" على الإطلاق.

وعزز ذلك بعض المخاوف من أن يكون ثمة تلاعب أكثر من سوء إدارة الأعمال، وحدوث فوضى داخلية في الشركة في أعقاب وفاة كوتين.

كما تحدث آخرون بشأن احتمال اختلاق كوتين فكرة وفاته، وأن يكون كل ذلك عبارة عن "عملية احتيال للخروج" والفرار بالأموال.

ووسط تلك الشائعات تضمنت شهادة روبرتسون نسخة من شهادة الوفاة الصادرة من متعهد الجنازات "هاليفاكس" في نوفا شكوشيا.

كما أصدر المستشفى في جايبور الذي كان يعالج فيه كوتين بيانا تفصيليا بشأن التدخلات الطبية التي حصل عليها قبل وفاته.
وتقول أرملته إنها تلقت تهديدات بالقتل، فضلا عن نشر "تعليقات مسيئة" بحقها على الإنترنت منذ أن أعلنت كوادريغا علنا عن مشكلاتها.

كما تم تعيين مراقب مستقل لمراقبة إجراءات المحكمة، وبحوزته حاليا جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بكوتين وأجهزة أخرى.

ما هي الخطوات القادمة؟
قالت كوادريغا في رسالة على الإنترنت إلى مستخدميها إنها تسعى إلى حماية الدائنين والإبقاء على مستقبل الشركة. واعترفت أنها حاليا لا تملك أجوبة على كثير من الأسئلة.

وبحسب وثائق المحكمة، تبحث كوادريغا أيضا في بيع المنصة للوفاء بديونها.

كما يسعى عدد من المستخدمين المتضررين، من بينهم تونغ زاو، إلى توكيل محامين وإلى المشاركة في الإجراءات القضائية.

في ذات الوقت، أكدت مفوضية أونتاريو للمعاملات المالية، الجهة الرئيسية لتنظيم المعاملات المالية، إنها تنظر في قضية شركة كوادريغا بسبب "الضرر المحتمل الذي لحق بمستثمرين في أونتاريو".